يجتهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالقوة العسكرية، من أجل إحياء «معادلة التوازن» العسكري والاقتصادي والسياسي بين نظامين متناقضين، اشتراكي ورأسمالي، والتي تم تجاهلها تماماً من قبل النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي.لا نعرف استراتيجية بوتين في فرض وإعادة المعادلة لموقعها السابق، بعد أن شُلت قواه بتفكيك الاتحاد السوفياتي، خصوصا أن روسيا نفسها هي التي تهورت بإلغاء الاتحاد عام 1991 في عهد الرئيس غورباتشوف الذي تخلى عن مهامه الاشتراكية، سبقه في ذلك أسلافه منذ عام1953لاستكمال نموذجها التاريخي ضمن هذا الاتحاد، وبذلك تمت نهاية تجربة تاريخية لنموذج اشتراكي سوفياتي، مع استمرارية تبني نموذج اشتراكي آخر في الصين متطور وناجع.
لقد قضم الروس أصابعهم بتخليهم عن النظام الاشتراكي الذي دفعهم كأمة عظيمة مع الجمهوريات المتحدة، وتبني الجمهوريات لنظام رأسمالي مشوه، وحاول الجميع اللحاق بركب قطار الرأسمالية العالمية، لكن قادة القطار تركوهم عند محطة «تفكيك الاتحاد» وحاولوا حصار روسيا وخنقها بالحرب الباردة، التي يرى البعض أنها لم تهدأ منذ ثورة 1917.تظفر الرأسمالية اليوم بفرصة ثمينة، فالرئيس بوتين يواجه عداء ونيران الجمهوريات الحليفة سابقاً، التي بنتها ودعمتها روسيا بسياساتها «الاشتراكية الأممية»، تلك الجمهوريات التي انقلبت برجوازياتها وليس شعوبها على نظامها الاشتراكي، وتعلقت بالنظام الرأسمالي الاحتكاري الذي يقيّمها كمستعمرات تخومية وسوق استهلاكية ومصدر ثري للموارد الطبيعية لنظامه. الرئيس بوتين قد يراهن، إن طالت مغامرة أوكرانيا، على حدوث دعم معنوي شعبي من الداخل الأوروبي يخفف الضغط الدولي تجاه سياساته الحالية، لكن واقع الحال يفرض نفسه، فالفاشية الأوروبية تطرح نفسها بقوة في القارة الأوروبية تحت مسمى القومية والشعبوية، وهناك الحياة السياسية والحياة الاقتصادية بينهما فصل تام، فالاقتصاد تتحكم به قوانين تراكم رأس المال التي تفرض مصالحها وغاياتها على القرار السياسي بجميع مستوياته.
اضافات
بوتين والحلم الضائع
12-08-2022