بقايا خيال: بيع الإجازات... أم «فسفسة بالحلال»؟
قبل إثارة موضوع الإجازات على المستويين الرسمي والإعلامي، كتبت مقالة بعنوان «إجازات وعطل الكويتيين... غير» نشرت في 18 مارس الماضي، قلت فيها إن حديثاً عابراً دار بيني وبين أحد جيراني في مدينة دنفر الأميركية عندما علم أن متوسط إجازاتنا السنوية في الكويت تتراوح بين 30 و45 يوماً، وأحياناً تزيد على الشهرين، إذا ما تم جمع رصيد الإجازات. عندها رد هذا الجار على كلامي بتعليق ماكر قائلاً: نحن في الولايات المتحدة الأميركية إجازاتنا لا تزيد على الأسبوعين، وإذا كان هذا البنك الذي تعمل له يتحمل غيابك لمدة شهر كامل فإنه بالتأكيد يستطيع العمل بدونك إلى الأبد، فابتسمت دون أن أقدر على الإجابة، بل قلت لنفسي: ماذا لو عرف أن هناك موظفين يتعمدون جمع رصيد الإجازات السنوية، ليتكون لديهم أربعة أو خمسة أشهر إجازات، دون أن يقوم مديرهم المباشر بإجبارهم على الخروج في إجازة سنوية، أو على الأقل بمنعهم من الخروج في إجازات طويلة الأمد، هذا إذا كانت لهذا الموظف أهمية في مركز عمله؟!كلنا يعرف أن سبب الحصول على إجازة من الوظيفة هو الانعتاق من روتين العمل الممل، والخروج من سجن مهنة غير متجددة، ولتغيير أجواء العمل، والتفرغ للأسرة أو الأبناء أو الهوايات، التي ابتعدنا عنها لفترة طويلة أو للانطلاق في فضاء الحرية بعيداً عن قيود البروتوكولات المهنية واستعادة النشاط والحيوية من أجل مزيد من العطاء في العمل فيما بعد. بل إن الخروج في إجازة حتى لو كانت ليومين اثنين فقط، ستساعد الموظف في استرجاع توازنه النفسي والاجتماعي والاستدلال على أساليب تعديل مزاجه المهني وتحسين صحته النفسية. هذا ما يقوله علماء النفس وخبراء الحوكمة والإدارة السليمة في المؤسسات. ولهذا نتساءل: كيف يستطيع الموظف «الناجح» أن يحقق كل هذه الأهداف النفسية والاجتماعية والمهنية إذا حرم نفسه من متعة الإجازة لسنوات لمجرد أن يجمع رصيداً معتبراً من الإجازات يصل إلى ما يزيد على ثلاثة أشهر وهو محبوس بين جدران مكتبه في المؤسسة التي يعمل بها؟ بل كيف يستطيع هذا الموظف أن يحقق التأقلم الوظيفي ومن ثم النجاح المهني إذا كان بعيداً عن عمله بسبب إجازته الطويلة؟ وما أهمية هذا الموظف لوظيفته إذا كانت المؤسسة قادرة على الاستغناء عنه لشهور والعمل بدونه؟ ولماذا يتساهل المديرون أو القياديون الحكوميون مع مرؤوسيهم أو موظفيهم في مسألة الإجازات السنوية فيتركوا الحبل على الغارب ليختار الموظف إجازته السنوية وقتما يشاء وكيفما يشاء، حتى لو كانت على حساب الإنتاجية أو مصلحة العمل؟
حتى لو اقتنعنا بخطة الحكومة في التخلص من موظفيها الكسالى المتكدسين في المكاتب وتشجيعهم على الابتعاد عن العمل حتى يسير الإنتاج بسلاسة ويسر، وذلك بمنحهم إجازات لمدد طويلة لأنهم قليلو الإنتاجية، ولكن ما المقصود ببيع رصيد إجازات موظفيها الذين حصلوا على تقدير ممتاز، وهي التي تحتاج إلى زيادة نسبة الإنتاجية؟ بل كيف تتخذ الحكومة مثل هذا القرار وهي التي كثيراً ما ادعت العجز المزمن في موازنتها العامة؟!