حاورني شاب في ديوانية من بين المجالس التي أزورها وأحرص على فتح حوارات مع روّادها، لكوني نائباً عايش تأثيرات الأحداث السياسية خلال السنوات الأخيرة، وهي بالمناسبة متغيّرات فارقة خلال العقود الثلاثة الماضية من تجربتنا الديموقراطية، ليس أقلّها أحداث «كوفيد - 19»، ولا التحول للعهد الجديد ولا تغيّر المشهد السياسي.هذه المتغيرات تثير لدى الشباب عشرات الأسئلة عن الحاضر والمستقبل، خاصة إذا لم يُواكبها إجراءات تصحيح المسار وخيارات تُعيد الأمل في ملفات طواها الإهمال والنسيان أو متطلبات تتنامى دون استجابات تتناسب مع مستوى التوقعات.
كلما راهن صانع القرار على الوقت، اكتشف أن فقاعة التحديات تتورم نتيجة التراكم والتعقيد، فتستفحل حتى تنفجر على شكل غضب اجتماعي أو تقاعس وظيفي أو أنانية وجرأة على المال العام، وقد تكون على شكل هجرة وحالات انتحار ومخدرات.هكذا يعبّر الشباب أحياناً على نقمتهم على الواقع، وهو بالمناسبة ليس تبريراً لأيّ تصرف طائش أو أرعن لا يُدرك حُرمتها ولا مآلات الأمور التي تكون نتيجة ضيق الأفق أو ندرة الخيارات، فعلى الشباب أن يستكشفوا ويجرّبوا ويختبروا الفرص، ولا يستسلموا لليأس، ويستبشروا بالقادم مهما بدا الواقع متخماً بالضغوط وقلة الحيلة.أعود إلى الشاب الذي حاورني وطرح عليّ مجموعة من التساؤلات، وأتوقف عند سؤال محوري يقول فيه: «هل ترى نزول عدد من الأعضاء الإصلاحيين في الدوائر الانتخابية فرصة أم تشتيتاً للأصوات، وبالتالي ستصل كتلة لا يمكن بناء مشروع إصلاحي على نتائجها»؟!شكرته على وعيه وسؤاله، وحرصت على أن أشرح له وجهة نظري الخاصة من واقع تجربتي ورصيدي في العمل السياسي والبرلماني، فكانت النقاط التالية:1. نزول شريحة واسعة من الإصلاحيين وعزوف شريحة من الذين لديهم أداء أسهم في وصول الحال إلى ما وصلت إليه الأمور، أراه مؤشراً جيداً ودليلاً على التعافي، وأنا متفائل بالموجة التي صنعتها ظروف المرحلة السابقة، نعم تأخرت، لكنّها جاءت في وقتها وكُلّلت باستجابة سامية من القيادة السياسية.2. طبيعة النظام الانتخابي بالصوت الواحد تحتّم وجود فرص نجاح للتكتلات الأصغر، وبالتالي زيادة المرشحين الإصلاحيين في هذه التكتلات سوف تزيد من فرص فوز الكتل الصلبة، خاصة التيارات السياسية ذات النهج الإصلاحي.3. وجود موجة إصلاحية كالتي تكوّنت بعد الاعتصام، وتأكيد خلو الانتخابات مما قد يلوّث خيارات الناخب من مال سياسي وفرعيات مُجرّمة وضغوط «لوبيات الإعلام»، سيساعدان على بلوغ قائمة جيدة من النواب الإصلاحيين عتبة النجاح، وهذا يتطلب وجود خيارات للناخب، فهو يختار بين الحسن والأحسن، وبين الجيد والمميز، بعكس فترات سابقة كانت خيارات الإصلاحيين محدودة، وقد يجد نفسه أمام نائب إصلاحي لا يتوافق مع أجندته، وآخر فاسد فرضته خيارات لم يكن طرفاً فيها.4. تنوّع وجود النواب الإصلاحيين سيرفع مستوى المنافسة على البرامج الإصلاحية وتقديم المعالجات للتحديات، وفي هذا إثراء الطرح السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يطور المجتمعات ويؤسس لدولة الاستقرار والازدهار.5. وجود هذا الكمّ في المنافسة الانتخابية من النواب الإصلاحيين سيكون عامل تفاهم وتناغم في المجلس، لكون مقاصد الأغلب في خدمة المصلحة العامة، وهو ما سيعزز من نضج التجربة الديموقراطية والوصول إلى حالة وئام نحتاجها خلال المرحلة القادمة، لسدّ الفجوات واللحاق بركب المنطقة، ولدينا شاهد حاضر في استعدادات كأس العالم.«Catalyst» مادة حفازة:حوار شبابي + تفاعل إصلاحي للمرشحين = تكامل انتخابي
أخر كلام
حوار كيميائي: التزاحم والتصادم!
14-08-2022