ترى الكاتبة والروائية منى الشافعي، أن الإبداع الكويتي نضج، ونجح في احتلال جزء لا بأس به من الخريطة العربية، وما زال يتسارع للحاق بالأكثر، فعالم الإبداع في الكويت شهد إقبالاً كبيراً في السنوات الأخيرة، مواكباً العالم العربي، والدليل أنه برزت أسماء كثيرة من الجنسين، استطاعت بجدارة أن تترك بصمة مؤثرة وجميلة في الساحة الأدبية المحلية والعربية وحتى العالمية.

Ad

وتمنت الشافعي، من خلال حديثها لـ «الجريدة»، الاستمرار في الكتابة، لأنها تحمل بين ثناياها هدفاً إنسانياً وإبداعياً... وفيما يلي التفاصيل:

• بداية... حدثينا عن عملك القصصي الأخير (بالأمس كانت مدينة)؟

- أكتب بأسلوب بسيط واضح، بلغة سلسلة مفهومة، وبعفويتي التي يمليها عليَّ داخلي. القصة عندي هي التي تسعى إليَّ، وتحدد أسلوبها، تبدأ هكذا وتنتهي هكذا. أميل إلى الكتابة بأسلوب ضمير المتكلم، التداعيات الشخصية، المونولوج الداخلي، هذا ما يعطيني شعوراً بالارتياح والصدق فيما أكتبه وأطرحه للقارئ من أفكار. أسبغت روحاً عاطفية مرحة، حتى مع الحزن والمعاناة، والألم، والوجع... أعتقد هذا ما يميزني. ففي قصص المجموعة، أجسِّد بعض المواقف الحياتية البسيطة، والأحاسيس والمشاعر والأفكار الإنسانية والاجتماعية والنفسية، سواء داخل الديرة (الكويت) أو خارجها، فلسنا بمعزل عما يدور حولنا في العالمين القريب والبعيد، أو أشرح موقفاً صغيراً، أو أحلل فكرة بسيطة، فهناك لحظات في الحياة إذا توقفت عندها متأملة واستطعت أن أصل إلى عمقها، فبالضرورة سأتمكَّن من تحويلها إلى صور حيَّة هادفة ذات مدلولات سيعيها القارئ.

• هل القصة القصيرة لا تزال لها التأثير نفسه، أم أن تأثيرها قل أمام طغيان مواقع التواصل الاجتماعي؟

- المتتبع لحركة منصات التواصل الاجتماعي يجد أن القصة قد ازداد تأثيرها ولم يقلّ، ومن هذه المظاهر التي تدعم القصة، إطلاق المسابقات والجوائز المختلفة للمبدعين عبر هذه المواقع، وهذه ظاهرة جميلة، والأجمل أن هناك أعداداً كبيرة من الكُتاب المتميزين تشترك بهذه الجوائز، والبعض الآخر يحكِّمها، ولن نغفل المواقع الكثيرة الخاصة بالقصة القصيرة التي تغذيها الأفكار والآراء والدراسات حول القصة، وهذا يعني أن تأثير هذه المواقع إيجابي وليس سلبياً.

• ما الرسالة التي تودين الوصول إليها من خلال كتابتك القصة القصيرة؟

- القصة عندي عبارة عن حدث بسيط، لقطة كاميرا، لمحة لحظة التقطها مما يثيرني من علاقات وأحداث إنسانية، اجتماعية، نفسية، عاطفية، السلبي منها والإيجابي، وبالتالي أحاول أن أطرح رأياً من خلال نصي، أو أوضح فكرة، أو أبين سبباً لما يحدث داخل النص، أو حتى اكتشف شيئاً أطرحه للقارئ لحالة أو مشكلة وغيرها، فالحياة تغص بالمشكلات والهموم والمعاناة والتطلعات والتمنيات.

كل قصة تحمل بين سطورها رسالة معينة، وأحياناً حدثاً بسيطاً له دلالات ورسائل متعددة، ورسائلي لرؤية أفضل للحياة أتمناها للإنسانية عامة، ذلك إذا أدركها القارئ الواعي المهتم، فهي عادة تكون مندسة وراء الحدث والموقف والفكرة. وبالتالي مهمة القارئ أن يكتشف تلك الرسائل والمعاني المختفية بين السطور (البُعد الثاني)، وهذا يمنحه تذوقاً لجمالية النص، واستمتاعاً بمادته، كونه شارك في حله وتوصل إلى رسالته!

يهمني أيضاً أن قصصي تحرك أحاسيسهم، وتلامس مشاعرهم، وتترك تأثيراً إيجابياً في أذهانهم ومخيلاتهم، عدا المتعة.

• يقولون إن الرواية طغت على القصة القصيرة، هل هذا الكلام صحيح من وجهة نظرك؟

- القصة تشترك مع الرواية في عنصري التشويق والحبكة، لكنها تتميز على الرواية بالكثافة والإيجاز والحيوية التي تجعلها أكثر ملاءمة لحياة الإنسان المعاصر السريعة. تحضرني مقولة الروائي هنري جيمس: «إن القصة القصيرة، وليس الرواية، هي الأكثر ملاءمة لوصف حياة القرن العشرين التي تتميز بالهشاشة وسرعة التقلب والتلاشي»، فما بالك بالقرن الواحد والعشرين؟! لذا أجد العكس، فقد تطورت، واتخذت أنماطا وأشكالا عدة، سواء في كتابتها، أو طريقة سردها، أو في مجال التكنيك، فلم تبقَ محصورة في شكلها الكلاسيكي القديم، وأصبحت مفتوحة أمام المبدعين، خصوصاً لمن يتبع الحداثة والتطوير المستمر، وهذا ما جعل مبدعيها في ازدياد. وهناك أيضاً الكثير من الجوائز والمسابقات تُطلق سنوياً للقصة، وبالتالي هناك جمهورها الذي يعشقها.

• نود معرفة تقييمك للقصة القصيرة على مستوى الشباب، وهل لديهم انجذاب ناحيتها، أم أنهم يتجهون أكثر للرواية أو الشعر؟

- من الناحية الإيجابية، هذا الأمر يدعو للسعادة والرضا والفخر، ويدل على حراك أدبي شبابي متنوع ومستمر. صحيح ما تفضلت به، فبعض الشباب يتجه بقوة نحو الرواية أو الشعر، لكن لن نغفل أن هناك أيضاً الكثير من الأقلام الجميلة الواعدة تتجه إلى القصة وتشارك في مسابقات سنوية وأعدادها في ازدياد.

دائماً ما كنت أستمتع بقراءة مجموعة أو حتى قصة شبابية، وفي الوقت نفسه تدهشني مجموعة أخرى. أنا متفائلة، فإصدارات الشباب، من الجنسين، القصصية لها نكهات لذيذة في اللغة، الأسلوب، الفكر، التكنيك، والأهم التطوير وإضافة سمات جديدة للقصة القصيرة… وهكذا تجدين حداثة جميلة مستمرة. ولن ننسى هنا أن القصة ابتعدت عن الكلاسيكية، وأصبحت مرنة، خفيفة سهلة بفكر القاص، ومع هذا أعتقد أن الموهبة هي التي تحدد مسار المبدع، وبالتالي يتجه هو نحو الشعر أو الرواية أو القصة. وكما تعرفين، هناك مَنْ يكتب بكل هذه الأجناس.

• نقرأ أعمالاً منشورة على الحسابات الشخصية لمواقع التواصل الاجتماعي، هل هذه الظاهرة سلبية أم إيجابية على مستوى الساحة الأدبية؟

- وفق متابعتي لبعضها، وليس الكل، لأنها تتوالد يومياً بأعداد كبيرة، أجدها تحتمل السلبي والإيجابي، وهذه الظاهرة ستظل موجودة، ولن تختفي مهما حاول البعض الحد منها، لأن الفضاء مفتوح على مصراعيه للغث والسمين.

• كيف يمكن إعادة القراء إلى التعامل الجاد مع الإبداع الأدبي بكل أشكاله (قصة، رواية، شعر، مسرح)؟

- للقراءة متعتها الخاصة المتميزة المتفردة، كما لكل فن آخر متعته الخاصة وجمهوره. للكتاب سحره، وله عشاقه ومحبوه. إذن هناك قارئ، لكنه عصري، شغلته الحياة العصرية بتسارعها ومتطلباتها ولهوها، لكننا لم نفقد القارئ بعد، غير أنه يحتاج إلى شحنات وجرعات تنبهه وتحسسه أن الكتاب هو الأفضل والأمتع، وهو حياة أخرى لو غصنا في أعماقه. فينبغي من الآن أن نُعيد للكتاب مجده، فيتكاتف البيت والمدرسة والمؤسسات التعليمية والثقافية، والمكتبات ودور النشر، وجميع وسائل الإعلام، من صحافة مكتوبة ومرئية وتلفزيون وإذاعة وغيرها، في تربية النشء والجيل الجديد، وتعويده على القراءة ولو لوقت بسيط يومياً، بحيث نوجهه بأساليب محببة بسيطة، ونغريه بكل ما هو جديد من الكتب بشتى مجالاتها ونوعيتها، وخاصة الثقافية منها والأدبية، وهذا أيضاً يشمل المسرح.

• من وجهة نظرك، ما موقع الإبداع الكويتي في سياق الإبداع العربي؟

- أرى أن الإبداع الكويتي قد نضج، ونجح في احتلال جزء لا بأس به من الخريطة العربية، وما زال يتسارع للحاق بالأكثر، فعالم الإبداع في الكويت شهد إقبالا كبيرا في السنوات الأخيرة، مواكباً العالم العربي، والدليل برزت أسماء كثيرة من الجنسين، استطاعت بجدارة أن تترك بصمة مؤثرة وجميلة في الساحة الأدبية المحلية والعربية وحتى العالمية– نسبة إلى الترجمة. وأخيراً ظهرت أسماء شبابية لامعة لها تجربتها وخصوصيتها وحداثتها، وأنا متفائلة جدا وسعيدة بهذه الأصوات الشابة.

• هل يمكن للكاتب الأدبي في الكويت أن يعتمد على الكتابة الأدبية كمصدر للرزق؟

- سؤال ذكي وجميل. أعتقد أنه لا يمكن برأيي الشخصي. احتمال هناك استثناء لا أعرف عنه. معظم الأدباء يعانون الأمراض المصاحبة لفعل الكتابة الإبداعية، مثل آلام الرقبة والكتف والظهر وأمراض العيون، والأديب ينفق أمواله على علاجه وصحته، ثم يعود للكتابة لينفق أموالاً أخرى على طباعة إنتاجه. وللعلم، لا يوجد هناك قارئ فمن أين يأتي الربح مثلاً؟

يتمنى بعضنا أن يغطي المردود المادي لكتابه نفقات الطباعة، وأحيانا كثيرة لا يغطي حتى النصف أو الربع. أنا شخصياً لم أحقق مطلبي من بيع الكُتب، وهذا لم يوقفني عن الكتابة والطباعة، لأنني أعشق الكتابة، والربح المادي ليس هدفي.

• ما جديدك على الساحة الأدبية؟

- بصراحة، أتمنى الاستمرار في الكتابة، لأنها تحمل بين ثناياها هدفاً إنسانياً وإبداعياً. أما الجديد الملموس، فهو كتاب حكاياته خفيفة ومادته مكتوبة يُراد لها فقط اللمسات الأخيرة، واختيار العنوان، اخترت له عنوان «حكايات – منى»، ويمكن أن أغيره بعد فترة!

فضة المعيلي