نور حريري: أبحث عن القضايا النسوية الصغيرة
الباحثة والكاتبة السورية المقيمة بألمانيا: ترجمة كتاب واحد تساوي دراسة 20
تسير بخطى واثقة في مجالات متنوعة فهي باحثة وكاتبة وبودكاستر، إلى جانب اشتغالها بالترجمة، إذ ترى السورية المقيمة في ألمانيا نور حريري أن الترجمة أداة معرفة تتيح النظر في لغة النص وأفكاره عن كثب. وتؤكد حريري أنها تبحث عن القضايا النسوية الصغيرة قبل الكبيرة وتنظر في جذورها، ومن أبرز الكتب التي ترجمتها إلى العربية «مفترق الطرق… اليهود ونقد الصهيونية» و»الحياة النفسية للسلطة» للفيلسوفة الأميركية جوديث بتلر. وفي حوار أجرته معها «الجريدة» قالت حريري، إن ترجمة كتاب واحد، تساوي دراسة ما لا يقلّ عن عشرين كتاباً… وفيما يلي نص الحوار:
• باحثة وكاتبة وبودكاستر... أن تجتمع في مبدع واحد مهارات عِدة، كيف يمكن أن تفيد عمله كمترجم على وجه التحديد؟ - من جهة أولى، أجد نفسي أقرب إلى البحث والكتابة من الترجمة، أي أجد عملي الأساسي في البحث والكتابة، لا في الترجمة. تأتي الترجمة في خدمة البحث الفلسفي، لا العكس. ومن جهة ثانية، لا أعتقد أن هناك تعارضاً بين الترجمة والكتابة أو حتى تقديم المحتوى المكتوب صوتيًا (البودكاست). الترجمة، بالنسبة إليّ، هي أداة معرفة تتيح للمترجم النظر في لغة النص وأفكاره عن كثب. غير أن ترجمة كتاب واحد، كما أكرّر دائماً، تساوي دراسة - لا قراءة - ما لا يقلّ عن عشرين كتاباً. إذاً، هي أداة معرفة كثيفة وذكية جداً. أما عن سبب التنويع والجمع بين المجالات، فيرجع ذلك ربما إلى عدم إيماني بالبحث الفلسفي الأكاديمي، على الرغم من التزامي السير في خط أكاديمي محدَّد أنوي الاستمرار فيه حتى النهاية. فقد وجدت، في مرحلة معينة، أن البحث الأكاديمي لا يُحجِّم الباحث ويوهمه بالتحقُّق والإنجاز والمقروئية فحسب، بل يُحجِّم البحث نفسه ويحول دون أن يكون البحث جذرياً. والسبب هو تحوّل الجامعات نحو منهج البحث العلمي (التوصيفي والتجريبي) الذي أجده على النقيض من البحث الفلسفي والعلمي (بمفهومه الواسع) أيضاً. لا أحد يقرأ الأبحاث الأكاديمية، أو ربما عدد قليل جداً من الباحثين في المجال نفسه. لذا، وعلى الرغم من صعوبة المغامرة وخطورتها، رفضت الأكاديميا جزئياً، وتوجّهت نحو الترجمة والكتابة الحرّة، حيث أختار بنفسي الأعمال التي أودّ ترجمتها وتكون النصوص التي أكتبها رشيقة وموجزة وكثيفة، كما أحب، مع الإبقاء على الدقة والتنظيم الأكاديميين. يبقى هذا النوع من الكتابة محفوفاً بمخاطر الوقوع في مطبّ الاختزال أو التشويه، فكل كلام اختزال وكل تبسيط تشويه، وأنا مُدركة تماماً لهذه الخطورة، وأتعرّض لها في كل نص جديد، إلا أنني لا أرفض خوض هذه المغامرة، وإن كان ذلك بحذر شديد.• على أي أساس تختارين الكتب التي تقررين ترجمتها: حداثة الإصدار أم الموضوع أم أهمية المؤلف؟ - في البداية، اخترت من الكتب ما وجدته دافعاً لمشروعي في البحث الفلسفي إلى الأمام، المشروع الذي وإن كان شخصيّاً في جوهره، فإنّ موضوعاته تمسّ المجال العام والسياسي وتبلغ عمق قضاياه، فالشخصيّ في النهاية سياسي، وأنا أؤمن جداً بما هو شخصي. ولأنني أميل إلى الاختصاص في الترجمة، عزمت على ترجمة الفلسفة فحسب، ومن ثم على ترجمة عدد من أعمال جوديث بَتلر (فيلسوفة أميركية) بصورة خاصة، بعد أن ألِفتُ لغتها الصعبة، وحللت كثيرًا من إشكاليات ترجمة نصوصها، وعشت معها سنوات، وأدركت مدى أهمية ترجمتها إلى العربية، على الرغم من اختلافي معها فيما يتعلق بالتحليل النفسي ونظرياتها في الجندر. • إلى أي مدى يمكن أن يكون عملك في مجال النسوية والجندرية وسيلة مؤثرة لتعزيز الحقوق الاجتماعية والسياسية للمرأة العربية؟- أن يكون عملي وحدي مؤثِّراً إلى هذا الحدّ هو أمر مبالَغ به بالتأكيد. التعزيز والتغيير يتطلبان جهودًا جماعية منظَّمة. غير أن هناك من هم أجدر وأحق مني في المجال الحقوقي النسوي. عملي النسوي يهتم بصورة أساسية بالنفس والوعي من خلال النقد، النقد النسوي المادي بوصفه عملية هدم وبناء في المستوى النظري والعملي معًا، بوصفه عملية تنقيب في جذور المشكلة، بوصفه أداة معرفة ووسيلة توعية وتغيير. أبحث عن القضايا النسوية الصغيرة قبل الكبيرة وأنظر في جذورها، القضايا التي قد تبدو صغيرة أو لا تبدو قضايا إطلاقاً، أبحث في البَدَهي واليومي والعادي، ولا أعتقد أن تغييراً في الواقع الخارجي ممكن من دون تغيير جذري في مستوى الوعي والنفس.• ترجمة الكتب السياسية أو ذات الطابع الفلسفي مثلما الحال في «الحياة النفسيّة للسلطة» لجوديث بتلر، قد تنطوي على صعوبات أثناء نقل بعض المصطلحات من لغتها الأصلية إلى لغة أخرى، حدثيني عن ذلك في ضوء تجربتك؟ - واجهتني، ومازالت تواجهني، بالتأكيد صعوبات كثيرة في ترجمة كتب جوديث بَتلر، على الرغم من أنني تجاوزت عدداً كبيراً من مشكلات ترجمة نصوصها، فبَتلر معروفة بلغتها الهيغلية المعقّدة وبصعوبة قراءتها حتى باللغة الإنكليزية. هذه الصعوبة تضاعف مسؤوليتي تجاه نصوصها، كما تضعني في موقف حساس وحرج، فمَن لا يعرف كيف تكتب بَتلر أساساً بلغتها الإنكليزية، سيعتقد أن الصعوبة والإشكالية ناتجة عن الترجمة، لا عن التأليف. مع ذلك، ألتزم الدقة في النقل، وأعمل الآن على ترجمة ما أجده أصعب كتبها، من حيث المحتوى واللغة، وهو كتاب «ذوات راغبة: تأملات هيغلية في فرنسا القرن العشرين» الذي تتطرق فيه إلى تأويلات فلسفة هيغل من طرف أهم المنظرين والفلاسفة في القرن العشرين، وسيصدر الكتاب في بدايات العام المقبل عن دار نينوى. • أخيرًا، ما العمل الجديد الذي تعكفين عليه الآن (إبداعًا أو ترجمة) وربما يخرج للنور قريباً؟- أعمل حالياً على كتابة مادة بحثية حول «السامي» في الطبيعة وارتباطه بالسياسة، وهي مادة تتناول التحليل النفسي والفلسفة والميتافيزيقا النقدية، ومادة بحثية أخرى في الفلسفة السياسية حول الفجوة القائمة بين النظرية والممارسة. أعدّ مجموعة حلقات لبودكاست «فضاءاتهن» النسوي حول علاقة المرأة بالمال. وأترجم في الفترة الحالية كتاب «قوة اللاعنف» لجوديث بَتلر، الذي سيصدر عن دار سؤال في هذا العام.
أحمد الجمَّال
لا أرى تعارضاً بين الترجمة والكتابة أو حتى تقديم المحتوى الصوتي (البودكاست)
عملي النسوي يهتم بصورة أساسية بالنفس والوعي من خلال النقد
عملي النسوي يهتم بصورة أساسية بالنفس والوعي من خلال النقد