الكويت وطن الوافدين
أثناء جائحة «كورونا» وفي فترة الحظر الكلي وعند توقف الرحلات الجوية قامت حكومة دولة الكويت بإجلاء الوافدين الراغبين في المغادرة إلى بلدانهم ومنهم مخالفو نظم الإقامة على نفقتها، بعد أن استضافتهم في مراكز الإيواء ووفرت لهم مستلزمات العيش الكريم من مأكل ومشرب.هذا العمل الإنساني الذي قامت به دولة الكويت انفردت فيه عن بقية دول العالم قوبل بالنكران من قبل البعض ومن متفلسفي السوشيال ميديا بوصفه امتهاناً لحريات وكرامات الأفراد، لكن بعد وصول الدفعات الأولى من الوافدين إلى أوطانهم رأينا تعامل حكوماتهم معهم من خلال إجبارهم على دفع رسوم الإيواء، والتي لم يتوفر في بعضها أدنى مستلزمات العيش الكريمة.أتذكر جيداً كيف كان البعض منهم يتذمر ويتظاهر بمراكز الإيواء التي خُصِّصت لهم، ومنهم من كان يتمنى الموت بين أهله، على أن يبقى ساعة واحدة، وعند وصولهم إلى بلدانهم ورغم سوء المعاملة فإن هذه الأصوات قد اختفت ولم تنبس بكلمة واحدة.
الكويت بلد الوافدين ولا غرابة في ذلك، فالأرقام تتحدث عن نفسها وكل ما نسمعه عن حل مشكلة التركيبة السكانية والهوية الوطنية يدور ويراوح في فلك الحديث عن مشكلة البدون والتضييق عليهم.وكما سبق أن كتبت في الكثير من المقالات السابقة عن أهمية تواجد الوافدين وبغض النظر عن جنسياتهم أو أعدادهم، لكن الأهم تنظيم وجودهم وفق حاجة الكويت لهم في البناء والتنمية ودعمهم للاقتصاد الوطني، أما غير ذلك فأي حلول تطرح لن تكون لها عوائد منفعة تذكر.الكويت بلد الوافدين يرتكب فيها الوافد جريمة يتم اعتقاله وبعدها يتم تسفيره إلى وطنه وعلى حساب الدولة أو الكفيل، بينما إذا ارتكب المواطن ذات الجريمة تطبق عليه عقوبة السجن والغرامة، فعن أي قوانين نتحدث وعن أي إصلاح بالتركيبة السكانية نتكلم؟!بعض القرارات يمكن اتخاذها دون انتظار أو تردد خصوصاً فيما يتعلق بالوظائف الإدارية التابعة للمؤسسات الحكومية، فوجود الوافدين لم يعد له أي ضرورة بعد أن وصلت طوابير شباب الكويت إلى الآلاف ناهيك عن تكدس الموظفين بالمكاتب. من الحلول المنطقية التي تتبعها الكثير من الدول في ضبط دخول بعض الجنسيات إليها ورغم انتقائيتها فإنها تساهم كثيراً في الحد من تزايد العمالة غير المرغوب فيها والزائدة عن الحاجة، باتباعها نظماً إجرائية موحدة لأذونات العمل من خلال منصة إلكترونية تراجع فيها جميع البيانات المطلوبة كوجود حجوزات فندقية وتذاكر سفر صالحة فضلاً عن رسوم الخدمات الإدارية وتأمين سفر، والتكاليف الصحية. من القرارات التنظيمية اللاحقة لضمان التزام العمالة الوافدة بشروط الإقامة متابعة عملهم بذات مجال التخصص الذي قدموا إليه ووضع سقف أعلى للحوالات المالية في السنة بحسب طبيعة العمل والراتب. حجم التحويلات المالية الخارجية السنوية كبير جداً إذا ما رجعنا إلى مقارنة متوسط التحويلات للعامل الواحد في الدول التي نوازيها في الدخل، مما يبين أن هناك ضعفاً على مراقبة الأموال والحوالات التي تتجاوز الآلاف من الدنانير دون التدقيق من مصدرها، ولعل بعضها كشفت عنه قضايا النصب والرشاوى والبلاغات التي يقدمها المواطنون. الكويت بلد نفطي يعتمد دخله القومي على الصادرات والصناعات النفطية، ومع ذلك تجد الآلاف من الوظائف يشغلها الوافدون على حساب المواطن الكويتي، وذلك بعد أن تحولت العقود المرتبطة بالإنتاج إلى القطاع الخاص، والذي يفضل العمالة الأجنبية رغم وجود الآلاف من خريجي الهندسة وبقية التخصصات التي يتطلبها سوق العمل النفطي.لقد حان الأوان لإعادة النظر بمفهوم القطاع الخاص ودوره في بناء الاقتصاد الوطني فالدول المتقدمة والمجاورة التفتت إلى هذا الدور إلا في الكويت التاجر مازال يقدم مصالحه على مصالح الوطن ويزيد من ثرائه على حساب خزينة الوطن.ودمتم سالمين