ما وراء مبادرة الممر الاقتصادي «بلس» بين الصين وميانمار
بعد أكثر من شهر على زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إلى ميانمار وإعلانه استكشاف مبادرة الممر الاقتصادي «بلس» بين البلدين في الوقت المناسب، لم تصدر أي تفاصيل أخرى من المسؤولين الصينيين أو مجلس إدارة الدولة الذي يقوده جيش ميانمار حول المغزى من إضافة كلمة «بلس» إلى الاتفاق.لكن أكثر ما يثير الدهشة هو تراجع التغطية الإعلامية وتعليقات الخبراء حول هذه المسألة أيضاً، ففي تقرير نشره موقع «إيراوادي» في 11 يوليو الماضي لم تُذكَر إلا عبارة واحدة عن معنى إضافة كلمة «بلس»، ولم يقتبس الموقع أي مصادر أو وثائق بل ذكر بكل بساطة أن المبادرة الجديدة ستجعل الصين تدعو أعضاء آلية «تعاون لانتسانغ-ميكونغ» (تايلاند، وفيتنام، وكمبوديا، ولاوس) إلى التعاون في مشاريع مبادرة الممر الاقتصادي، إلى جانب الصين وميانمار.ووسط تصاعد المخاوف التجارية والأمنية الواضحة بشأن الاستثمار أو إطلاق النشاطات في ميانمار، التي سجلت انكماشاً اقتصادياً بنسبة 18% في عام 2021، يتعلق جانب أساسي من الاقتصاد الذي يديره مجلس إدارة الدولة بزيادة التداخل بين السياسة والاقتصاد، كذلك، تشير التحركات السياسية الأخيرة التي اتخذها المجلس إلى أنه شريك فقير لا يهتم إلا بمصالحه الخاصة، حتى في تعامله مع البلدان التي تربطه بها علاقات ودّية.
وتدعو أول نقطتَين من الخطة الجديدة إلى وقف أعمال العنف فوراً، وإطلاق حوار بنّاء تمهيداً للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السياسية، لكن تحت إشراف مجلس إدارة الدولة تابَعَ الجيش قمع شعب ميانمار، وفي الفترة الأخيرة، أصرّ على إعدام أربعة ناشطين داعمين للديموقراطية، رغم دعوات رابطة أمم جنوب شرق آسيا إلى الامتناع عن خطوات مماثلة.وفي الوقت نفسه، دان مجلس الأمن في الأمم المتحدة عمليات الإعدام في بيان صادق عليه 15 عضواً، وهو موقف بارز لأنه حظي بدعم الصين، وروسيا، والهند، وهي بلدان كانت تتردد سابقاً في المصادقة على البيانات التي تدين الأعمال الوحشية المرتكبة على يد الجيش.كذلك، أبدى المسؤولون في مجلس إدارة الدولة والمؤسسات الاقتصادية الخاضعة لسيطرته استعدادهم لنقل عواقب سوء إدارتهم لاقتصاد ميانمار إلى الشركاء الأجانب، ما يُشكّك مجدداً بمصداقية مجلس إدارة الدولة كشريك حقيقي.ومثلاً، أصدر بنك ميانمار المركزي تعليمات خاصة بالشركات إذ دعاها إلى وقف تسديد القروض الأجنبية في ظل نقص العملة. وهذا ما دفع مصرف «مايبنك» إلى التحذير في تقرير جديد من تداعيات منع تسديد الديون الخارجية الخاصة في ميانمار، فقد تنذر هذه الخطوة بنزعة البلد إلى عدم الالتزام بواجباته وتزيد احتمال تخلّف ميانمار عن دفع ديونها السيادية. في السياق نفسه، سلّطت مقالة جديدة في صحيفة «بانكوك بوست» الضوء على المشاكل التي يواجهها قطاع الفولاذ في ميانمار بسبب هذه السياسة، إذ لم يعد هذا القطاع يتلقى مدفوعات القروض التي حصلت عليها كيانات متنوعة في ميانمار.كذلك، عَكَس مجلس إدارة الدولة في الثاني من يوليو مخططات التسوية بين اليوان الصيني والكيات الميانماري، وبين البات التايلندي والكيات الميانماري، مما أدى إلى توسّع الاضطرابات في التجارة الحدودية بين ميانمار والصين وتايلند. ثم أَمَر المجلس بتنفيذ هذه العملية التجارية بالدولار الأميركي وفق سعر الصرف الرسمي المبالغ فيه (1850 كيات مقابل الدولار الأميركي بحسب سعر بنك ميانمار الرسمي). تبلغ قيمة الكيات في الوقت الراهن حوالي 2400 دولار في السوق غير الرسمي، وقد أدى هذا الاختلاف في سعر الصرف إلى تدمير الهوامش التي يملكها تجّار الحدود.في 13 يوليو، ألغى بنك ميانمار المركزي أيضاً تعليمات كانت تقضي بإعفاء بعض الشركات المسجّلة في «مديرية الاستثمار وإدارة الشركات» من سياسة تحويل الكيات الإلزامية على مدار 24 ساعة، بعد شهرٍ على صدور تلك التعليمات في 16 يونيو. وكانت هذه السياسة تعني تجميد مقتنيات الشركات الأجنبية بالدولار الأميركي في بنوك ميانمار، علماً أن مجموعة من الشركات تلقّت إشعاراً ينذر بتحويل مقتنياتها إلى عملة الكيات. لا تملك تلك الشركات أي وسيلة للطعن في هذه السياسة.أخيراً، لم تتّضح نزعة مجلس إدارة الدولة إلى استشارة المستثمرين الأجانب أو الشركات الأخرى في جميع هذه القرارات، حتى أنه كان يرفض طوال الوقت تعديل سياساته رداً على الانتقادات. ونظراً إلى تصرفات مجلس إدارة الدولة والمؤسسات الاقتصادية الخاضعة لسيطرته، يصعب أن نتخيل اهتمام أي طرف بالمشاركة في مشاريع مبادرة الممر الاقتصادي الضخمة ومتعددة السنوات بين الصين وميانمار. في النهاية، تحمل هذه المبادرة أهمية سياسية كبرى، وتشمل شريك عمل غير جدير بالثقة ولا يهتم إلا بمصالحه الخاصة.* سياح فاجهجي