كيمياء تركيبة المجتمع السعودي في مدينة جدة تتميز بروح إنسانية، لأن البعض منهم ينتمون في أصولهم إلى جميع الحضارات والأعراق، ومن كل القارات، لهذا فهم يتزاوجون ويتصاهرون دونما تعقيدات قبلية أو عرقية وطائفية مذهبية، ويتعايشون معاً بعيداً عما يعوق حياتهم من تلك الشكليات. وقد تيسَّر لي وأسرتي أن كنا ضيوفاً على بعض البيوتات الجداوية الأصيلة، والثرية بالتميز بمفرداتها في كل شيء، في الأطعمة، والتقاليد، والأعراف، كأسرة جمجوم، وأسرة ناغي، وأسرة الخوجة... وغيرها من أسر أهل جدة الكرام.
*** سأتحدث في هذا المقال عن يوم من أيام جدة التي لا تُنسى، أمضيته وأسرتي بضيافة مواطنة سعودية حققت شهرة عالمية، حيث أطلعتني على العديد من الأفلام التسجيلية، والجرائد والمجلات العالمية التي تصوّر إنجازاتها، وتتحدث عما قامت به من أعمال إنسانية. إنها طبيبة الأسنان د. مريم بن لادن، التي فتحت عيادتها في جدة، لكنها اكتسبت شهرتها - التي أشرت إليها - من السباحة... نعم، من السباحة. فمريم عبرت بحر المانش، وقطعت مسافات طويلة تصارع أمواج البحار والأنهار، في أوروبا وأميركا، من أجل جمع تبرعات للاجئين الذين هجروا أوطانهم عن طريق البحار، ولقي الكثيرون منهم حتفه غرقاً، فكانت مريم تتواصل مع أسر هؤلاء الغرقى، وتقدّم لهم المساعدات، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية. ولم تكتفِ مريم بن لادن بالسباحة في البحار والأنهار، لجمع التبرعات للاجئين، بل قامت ببناء مستشفى في أحد مخيماتهم بصحراء الأردن، وتكفلت بالصرف على جميع احتياجاته من أطباء وأدوات وأدوية، وتمضي شهوراً من وقتها في الإشراف على سير العمل في ذلك المستشفى.وقد حدثتني مريم عما كانت تعانيه مع بعض الإعلاميين ممن كانوا يستغلون اسمها العائلي ليتوجهوا إليها بأسئلة لا علاقة لها بالمهمات الإنسانية التي تقوم بها، لخلق نوع من الإثارة الإعلامية، لكن ما كانت تقوم به مريم من خدمات إنسانية كان أقوى بكثير من تلك المحاولات البائسة. في الساعات التي أمضيناها في ضيافة الدكتورة مريم بن لادن، شعرت فيها أنني أمام نموذج للإنسانة السعودية التي نذرت نفسها من أجل الأعمال الإنسانية، لهذا لما حضرت مدربة السباحة الإنكليزية لكي تبدأ معها التدريب على رحلة السباحة القادمة اعتذرت لنا بلطف وأدب، لتواصل واجباتها الإنسانية.
أخر كلام
مريم بن لادن
16-08-2022