عرقجي والكويت وقمة جدّة
من جميل الأقدار أن يرتبط اسم لبنان بالكويت في كل محفل وكل مفصل من المفاصل الكبرى، فالبطل اللبناني وائل عرقجي هو نجم فريق «الجهراء» لكرة السلة، الأمر الذي صنع في الموسم الماضي وسيصنع في المقبل علامة فارقة في حيوية ومستقبل اللعبة في «لؤلؤة الخليج».
«أتينا من بلد مكسور ونريد أن نُفرح اللبنانيين!» بهذا التصريح عبّر نجم المنتخب اللبناني وائل عرقجي عن مشاعره الصادقة إزاء الإنجاز الكبير الذي حققه منتخب الأرز في بطولة آسيا لكرة السلّة. وقد سبق لهذا النجم الرياضي أن رد على أحد أبرز السياسيين الذي غرّد مهنئاً المنتخب بتأهله لنصف نهائي البطولة بتغريدة جريئة صرح فيها أنه «لا نريد تهنئته، ونحن نحاول أن نمسح الوسخ الذي وضعنا فيه مع زملائه السياسيّين» وطلب منه أن يبقى صامتاً! لا شك أن تغريدة عرقجي جريئة في عباراتها، مهمة في توقيتها، صادقة في رسائلها، وعميقة في طرحها، وهي تختصر بالفعل حالة الغضب والحنق التي يشعر بها الشباب اللبناني تجاه مجمل الطبقة السياسية اللبنانية وكل من ساهم منها في انهيار الوضع اللبناني على كافة المستويات.السمة الأبرز لطبائع الشعب اللبناني أنه يتغلب على كل أزمة بإبداع وابتكار، ويتجاوز كل انكسار بإنجاز أو انتصار، وهذا دأبه من زمن الفينيقيين إلى زماننا الحاضر، لكن هذه السمة اللافتة، وبقدر ما تتصف بالإيجابية، تحمل في طياتها أحد أسباب المأساة المستمرة للشعب اللبناني الذي اعتاد أن يعيش بعد كل أزمة حالة نكران لا يستفيق من سباتها قبل أن يدخل في أزمة تالية يتعايش معها ويحاول التحايل عليها والإبداع في تجاوز أهوالها. هذا الواقع جعل من فاسدي السياسة اللبنانية في حالة طمأنينة دائمة قوامها: العصب الطائفي الذي يملكون مفاتيح شدّه من جهة، وتأقلم الشعب اللبناني مع كل أنواع المصائب والويلات من جهة أخرى.
ولكن الموقف العفوي الذي اتخذه عرقجي -الرياضي المثقف، الشاب الطموح، والوطني الصادق- قد يغيّر جزءاً من المعادلة، إذ يبقى الأمل في طموحات الشباب اللبناني بينما يحرّك الألم سبات ما تبقى من هذا الشعب العاضّ على جرحه والساكت على أوجاعه! فمنطق الأمور يشي بأن تغريدة «عرقجي» وفوزه مع زملائه يشكلان امتداداً طبيعياً لحالة التغيير التي صنعها الشباب اللبناني في الانتخابات النيابية الأخيرة، على أمل أن تنعكس الآية قريباً ليمتد الانتصار الرياضي إلى تغيير جذري لما تبقى من كساد وفساد في الطبقة السياسية البليدة والمجرمة. ***من جميل الأقدار أن يرتبط اسم لبنان باسم الكويت في كل محفل وكل مفصل من المفاصل الكبرى، فالبطل اللبناني عرقجي هو نجم فريق «نادي الجهراء» لكرة السلة، الأمر الذي صنع في الموسم الماضي وسيصنع في الموسم المقبل علامة فارقة في حيوية ومستقبل اللعبة في «لؤلؤة الخليج». وفي المقابل فإن مقاربة «قمة جدّة» الخليجية- الأميركية للملف اللبناني ارتكزت بشكل رئيسي على «المبادرة الكويتية» لإعادة لبنان إلى محيطه الإقليمي وحضنه العربي، وهو ما نال موافقة رسمية من الحكومة اللبنانية رسمياً وما تسعى لتحقيقه الدبلوماسية الكويتية بخطى ثابتة وجهود صامتة.ما يجمع تصريحات «عرقجي»، وإنجازاته مع رفاقه الأبطال، بالمقاربة الإقليمية - الدولية للوضع اللبناني هو اللازمة التي تتكرر على ألسنة جميع المسؤولين من الدول الشقيقة والصديقة للبنان، والتي أصبحت ثابتة في جميع البيانات الختامية للمؤتمرات السياسية الكبرى، ومفادها - حسب ما جاء في البيان الختامي لقمة جدّة- أن «الدول المشاركة في القمة تولي اهتماماً خاصاً بلبنان؛ شريطة أن يساعد اللبنانيون أنفسهم بعدم جعل بلدهم ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية».روحية البيان الختامي لقمّة جدّة الذي دعا إلى تطبيق اتفاق الطائف واستعادة الدولة لقرارها وإنجاز الإصلاحات المطلوبة، تضع الشعب اللبناني أمام مسؤولياته الوطنية ؛ فهو الشريك الأساسي لا بل المسؤول الرئيسي عن صنع مستقبله. وكلما أسرع في صناعة الفرق وأحدث التغيير، حصد الثمار أسرع، والثمار هنا إذا كانت على شاكلة إنجاز «عرقجي وإخوته» فستكون كما فاكهة لبنان الشهية، إنتاجاً وطنياً يغني عن الاستيراد ويشجع على التصدير، فهو من جنى زنود بذرت في الأرض وأجزلت في الجهد وصدقت في التوكل. لقد فهم «عرقجي» ورفاقه الرسالة التي يفرضها المنطق قبل أن ترددها البيانات السياسية، ألا وهي أن التغيير لا يصنعه إلا اللبنانيون بأيديهم، والفوز المكلل على جبين شبابهم الطموح لن يكون إلا محل تشجيع أخوي وتصفيق أممي وربما دعم تفاعلي مستحق.***المقاربة الدولية-العربية للوضع اللبناني واضحة ولا تحتاج لأي تحليل سياسي أو جهد فكري، فلم يعد خافياً أن قمة جدّة وضعت لبنان ضمن أولوياتها، ليس فقط من قبيل الإخوة والصداقة، بل من زاوية التفاعل الحتمي بين الملف اللبناني وملفات المنطقة الحساسة، بدءاً من التأثيرات الجيو-سياسية الطبيعية، إلى الملف الإيراني النووي، مروراً بملف النفط والغاز على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.فالاتجاه الإجباري الذي يجب أن يسلكه لبنان للعودة إلى محيطه العربي والخروج من أزماته غير المسبوقة يرتكز بصريح العبارات العربية والدولية إلى إرادة اللبنانيين ومواجهتهم الحتمية لـ «جهنم» الأزمات التي يعيشونها منذ فترة؛ فمع التغييرات الكبرى التي شهدتها وتشهدها المنطقة، ومع الحروب المستعرة على الساحة الأوروبية، ومع الأزمات العالمية المتلاحقة، لم يعد لأي متعاطف أو أخ أو صديق مجال واسع للالتفات إلى خارج حدود أزماته الداخلية، فعلى حد قول التعبير الشعبي «اللي فينا مكفّينا».إن حسن إدارة ملف ترسيم الحدود البحرية، والتعامل الوطني مع الاستحقاقات الدستورية الحكومية والرئاسية، وسرعة المضي في خطة إنقاذ اقتصادية سليمة وجدّية، تلك هي الخطوات الأهم والأولى في مسار يتبع فيه سياسيو لبنان أبطال كرة السلة اللبنانية وصولاً لتحقيق الانتصارات وإطلاق شرارة الاحتفالات، ومن ثم فتح باب الاستقبالات للأصدقاء والأشقاء وبالطبع للشركاء… عذراً «عرقجي»، لا أراهن إلا على صدق وطنيتك وجبروت عزيمتك، ففوزك مع زملائك الأبطال أصدق أنباء من الكذب! * كاتب ومستشار قانوني
د. بلال عقل الصنديد
مقاربة «قمة جدّة» الخليجية - الأميركية للملف اللبناني ارتكزت بشكل رئيسي على «المبادرة الكويتية» لإعادة لبنان إلى محيطه الإقليمي وحضنه العربي
السمة الأبرز لطبيعة الشعب اللبناني أنه يتغلب على كل أزمة بإبداع وابتكار ويتجاوز كل انكسار بإنجاز أو انتصار، وهذا دأبه من زمن الفينيقيين إلى زماننا الحاضر
السمة الأبرز لطبيعة الشعب اللبناني أنه يتغلب على كل أزمة بإبداع وابتكار ويتجاوز كل انكسار بإنجاز أو انتصار، وهذا دأبه من زمن الفينيقيين إلى زماننا الحاضر