الضرورات تبيح المحظورات، قاعدة شرعية وقانونية معتبرة، وهي تسعى لتحقيق مقاصد التشريع والقوانين، متى كان هناك مبرر لتطبيقها والأخذ بها، لمعالجة أحوال وأمور عاجلة لا تحتمل التأخير، جلباً لمصلحة لا يمكن أن تتحقق إن فوتت، أو دفعاً لضرر صار حالاً أو وشيكاً، ولا سبيل لدفعه وتجنّب آثاره المضرة إن لم يتم تجنبه.وفي هذا السياق، جاء نص المادة 71 من الدستور ليقرر صدور ما يُعرف اصطلاحاً بمراسيم الضرورة، أي قوانين تتولى إصدارها السلطة التنفيذية مؤقتاً عند غياب البرلمان، وظهور حالة أو أمر لا يحتمل أي تأخير لمعالجته ودفع أضراره كافة، ويكون السبيل ا3لوحيد المتاح لمعالجته هو القوانين، فيجوز للسلطة التنفيذية في هذه الحالة إصدارها.
ولا يخفى أن حالة الضرورة تلك هي من إطلاقات السلطة التنفيذية التي تقدّرها، وكلما كانت حالة الضرورة وظرفها أو ظروفها حاضرة وجليّة للرأي العام، كان ذلك سبباً لمساندة شعبية لقرار الحكومة بإصدار مراسيم الضرورة، وينبغي أن تكون حالة الضرورة مستجدة أو معرفتها واكتشافها يكون متزامناً مع توقيت إصدار مراسيم الضرورة حتى تنهض مبرراً وسنداً قانونياً لإصدارها.وبتطبيق ما تقدّم على وضع القيود الانتخابية، التي أصبحت في الآونة الأخيرة حديث الناس لعدم سلامتها وصحتها، ولما كانت الحكومة قد تصدت لهذا الموضوع لتقف على حقيقته، وبعد أن شكلت لجنة فنية وقانونية لتقصي حقيقة الأمر، وفي ضوء ما تم تداوله من وصول اللجنة إلى أدلة ثابتة تؤكد أن كشوف الناخبين قد نالها تلاعب أو إهمال أو تقصير، جعلها تصبح غير معبّرة بصدق عن إرادة الناخبين في الدوائر المختلفة، ولما كان مجلس الأمة قد تم حلّه، والانتخابات البرلمانية أصبحت وشيكة، وهي في حد أقصى أول أكتوبر 022، وإذ كانت التوجهات السياسية لدى السلطة السياسية أن يتم تصحيح مسار المشهد السياسي، كما عبّر عنه خطاب سمو الأمير، الذي ألقاه نيابة عنه سمو ولي العهد في 22/ 6/ 2022، وإذا كان لا بدّ من صون إرادة الأمة من خلال الحفاظ على سلامة وصحة ونزاهة الأصوات الانتخابية وعملية الانتخاب برمتها، وهو الأمر الذي لن يتم تحقيقه إلّا إذا صححت قيود الناخبين بإلغاء القيود الحالية، واعتماد هذه القيود وفقاً لعناوينهم المدونة بالبطاقة المدنية، حالة لا تحتمل التأخير، فإنّ صدورها بمرسوم ضرورة وفقاً للمادة 7 من الدستور، ومبررات الضرورة الحاضرة، يكون قراراً صائباً.ولعله من المفيد، في هذا السياق، أن نشير إلى ضرورات متعددة متداخلة ومتكاملة تشكّل جميعها أساساً صلباً (للضرورة) لإلغاء قيود الناخبين وإعادة تكوينها على أساس البطاقة المدنية، وهي تتمثل فيما يلي:- تطهير سجلات الناخبين من التزوير أو النقل أو العبث والتكدس السكني الذي نال من سلامتها.- تصحيح أوضاع لطيّ صفحة جرائم ورّط بها عموم الناخبين بحُسن أو سوء نية، حينما يدلون بأصواتهم خلافاً لعناوينهم الفعلية، وهو ما يوقعهم تحت طائلة العقوبات المقررة بالمادة 43 من قانون الانتخاب.- تجنّب بطلان (محتمل) للانتخابات القادمة في حالة الطعن عليها، دون تدخّل عاجل للحيلولة دون حدوثه.ومن ثمّ فإنه لا مفر من مرسوم ضرورة لإلغاء القيود القائمة، وإعادة قيد الناخبين وفقاً للبطاقة المدنية، علماً بأنه على الحكومة أن تسعى أيضاً لتوعية الناخب وإعلامه وتذكيره بلزوم تطابق سكنه مع عنوانه في بطاقته المدنية، ويلتزم بإخطار وزارة الداخلية بالمواعيد والإجراءات المحددة بالقانون عن أي تغيير يطرأ عليه لتجنّب كونه (مرتكباً لجريمة) بحكم القانون، وإلى كون كل ناخب يدلي بصوته دون حق خلافاً لموطنه الانتخابي الفعلي يكون مرتكباً لجريمة وفق المادة 43 من القانون.ولعل مبادرة الحكومة في عهدها الجديد وبرئيسها الجديد، مع ما حمله من توجهات إصلاحية، انطلاقاً من توجهات القيادة السياسية، لإصدار مرسوم الضرورة لتصحيح القيود الانتخابية مما شابها من عيوب جسيمة، هو البداية الناجحة لتحوّل وتصحيح سياسي، فالبرلمان يجب أن يطهّر من من الفساد والفاسدين، وهذه مجرد بداية، تحتاج إلى جهود لاستكمالها، حتى تتبعها جهود إصلاحية أوسع لكل السلطات والمؤسسات وسياسات الدولة، وملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم.
أخر كلام
ضرورات المراسيم بقوانين وفقاً للمادة 71 من الدستور
17-08-2022