قبل أن ألتقي أحد أهم خبراء المياه الجوفية في لبنان د. سمير زعاطيطي في منزل الصديق سفير لبنان في الكويت سابقاً خضر حلوة وبصحبة خبير الشؤون التركية غسان نابلسي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبرين، الأول مقطع فيديو مصور لسيدة جنوبية تشكو انقطاع المياه في بلدتها وتتحسر على ما وصلت إليه الأحوال من سوء، وأنها لم تتلق نقطة ماء من الدولة منذ سنة.

الحدث الثاني كيف أن وزيرة للطاقة ومحسوبة على «تيار جبران باسيل» صهر الرئيس، حولت مناسبة انتقال سيدة العذراء إلى «سيرك مائي» احتفلت فيه على موقع «سد شبروح» في الشمال.

Ad

لبنان من وجهة نظر الخبير المائي ينعم بثروة مائية تضاهي الثروة الموهومة والمنتظرة من الحفر في قاع البحر عن الغاز والنفط وثروته تقدر بعشرة مليارات متر مكعب من المياه سنوياً وهي كمية المياه المتساقطة عليه وهو الوحيد في العام العربي الذي يستقبل هذا الكم، قسم منه يذهب بالتبخر وقسم منه تَحتبسه الوديان، وهي خاصية يتفرد هذا البلد وآخر يمثل جزءاً من المياه السطحية.

اليوم معظم القرى والمدن والبلدات اللبنانية تشكو من شح المياه وندرته واضطرارها إلى شرائه إما بواسطة «تناكر المياه» – كأيام الكويت في السبعينيات وقبلها، وإما بواسطة القناني المعبأة والخزانات المنتشرة في معظم المناطق...

في بلد الـ 14 نهراً لا يتوفر للمواطنين مياه صالحة للشرب أو الزراعة، فهي تصب في البحر أو تذهب إلى إسرائيل عبر نهر الوزاني والحاصباني أو إلى سورية عبر نهر العاصي، وفي الجنوب ينعم «العدو» بمياه لبنانية صرفة، ليس فقط بشفطه بل هناك ما يشبه الاتفاقيات السرية بمنع حفر الآبار الارتوازية في الجانب اللبناني حتى لا يكون ذلك على حساب إسرائيل، علماً أن مناطق الجليل الأعلى وهي الجنوب اللبناني المرتفعة تعبر منها المياه الجوفية إلى الأسفل الفلسطيني، ومن المفارقات العجيبة أن إسرائيل بنت أربع مزارع سمكية بعد الحدود مباشرة على مياه الوزاني تنتج أفضل أنواع السمك.

علماء الهيدرولوجي لديهم خرائط من أيام الفرنسيين يؤكدون أن لبنان لديه فائض من المياه للتصدير كما الحال في تركيا، لكن السؤال: لماذا لم يستغل هذه الثروة ولم يحمِ ويحفظ حقوقه المائية من الأنهار التي تنبع من أراضيه وتصب في البحر وعند الجيران؟!

الحقائق المؤلمة والمسكوت عنها كما يشير بذلك الخبير اللبناني د. سمير أن ملف المياه مثل ملف الكهرباء، تم تسييسه وتوظيفه لحساب الطوائف وزعمائها فهم من يمسكون بخيوط الملف، لذلك يكثر الكلام عن إقامة السدود، وآخرها كان فضيحة الفضائح، سد بني على طريق «شكا – طرابلس» تحول إلى صحراء قاحلة بعد أشهر، والتهم بالتقصير والفساد غالباً ما تتساقط على رئيس «التيار الحر» صاحب نظرية إقامة السدود، لأنها مصدر للتنفيع والمحسوبية والفساد، في حين يتم تجاهل أي إصلاح للمياه يطال البنى التحتية أو صيانتها بعد مضي عقود على إهمالها.

اليوم يتحدثون عن «موت نهر الليطاني» لكثرة النفايات والسموم التي تقذف على مجاريه دون حسيب أو رقيب، يتحدثون عن أن مياه سد القرعون انتهت صلاحيتها وتحولت إلى «مقبرة» للكائنات البحرية!

يبدو أن الانهيارات التي تتعرض لها الدولة اللبنانية عمت جميع المرافق والمؤسسات، وأصبحت بيد زعماء الطوائف والميليشيات والذين ينهبون ما تبقى فيها إلى يوم غير معلوم.

حمزة عليان