بقايا خيال: قراءة لمشهد سياسي
هل يعقل أن يصلح العطار ما أفسده دهر من التقاليد القبلية والعادات الطائفية والأعراف الفئوية، فينزع الكويتيون أثواب حياة سياسية تدثروا بها عقوداً من الزمن؟ هل يعقل أن يبتعد الناس عن أسلوب حياة من النقيض إلى النقيض بجرة قلم وكأنهم آلة تعمل بضغطة زر وتتوقف بضغطة زر بعد سنوات طويلة من التعود على ما كانوا يجنونه كناخبين من المال السياسي ومن الفرعيات أحياناً؟ وهل يعقل أن يتوقف المتمصلحون والمتنفذون عن فتح صناديق الأموال السياسية لاستمالة ناخبين ومرشحين ومن بعدهم برلمانيين وتحريكهم كيفما شاؤوا؟ وهل يعقل، بعد أن صار لدينا مزورون في وثائق الجنسية ومزدوجون «في الانتماء الرسمي» وعُباد الدينار أن تفرز الانتخابات المقبلة مرشحين ومن ثم نوابا يعشقون الحرية والديموقراطية، وينبذون القبلية والطائفية، هكذا بين عشية وضحاها؟ وهل يعقل أن يحقق الكويتيون أحلاماً وردية في ميدان السياسة الكويتية بعد عقود من محاولات تشويه الهوية الكويتية، حيث تصدر المشهد السياسي أشباه كويتيين في زمن أوشك فيه الكويتيون المخلصون أن يفقدوا الأمل في الإصلاح؟ من لا يعرف هذه الحقائق لابد أنه «يشوي الصقر»، لأن «بوطبيع ما يجوز من طبعه»، ومن شب على بيع صوته شاب عليه، تماماً كما يعرف المال السياسي مبدأ «اطعم الفم تستحي العين»، فالمقبل من الأيام ينذر بمعركة انتخابية حامية الوطيس، إما لعمل المستحيل من قبل المخلصين في تطبيق ما جاء في خطاب صاحب السمو أمير البلاد والذي ألقاه سمو ولي العهد، حفظهما الله، أو قيام «مديري المال السياسي» باستخدام كل الأسلحة المتاحة، مشروعة وغير مشروعة، للوصول إلى الكرسي الأخضر الوثير بأي «ثمن»، الأمر الذي يتطلب مضاعفة أسعار الأصوات الانتخابية أو إجراء تشاوريات وفرعيات «تلفونية»، تماماً كما تجرى الأبحاث والاستبيانات تلفونياً. أقول قولي هذا لأنني أعرف جيداً أن تركيبتنا السكانية لا تختلف عن «سيفوه» ولا عن «خلاجينه»، وأعرف أن من بين الناخبين كثيرين «خربانين من البيضة»، تماماً كما يعرف الجميع أن هذه الديرة تحتاج إلى المخلصين لترابها ولرموزها، وإلا فلماذا نكثر من الأغاني الوطنية التي غالباً ما تكون فارغة من أحاسيس حقيقية، وفي الوقت نفسه نعرف أن الكويتيين القدامى قالوها منذ عقود طويلة من الزمن إن الكويت «عومة... ماكولة ومذمومة».
ولهذا سأجلس «عوي وأتكلم عدل» وأقول إن المشهد الانتخابي المقبل لن يكون مغايراً عن سوابقه من المشاهد السياسية التي «سادت ثم بادت»، حتى وإن اختفت أو اختلفت وجوه برلمانية، لأن بعض السياسيين، خصوصاً أولئك الذين مارسوا التجارة وتمترسوا بالسياسة، من الصعب زحزحتهم من مكانهم الذي التصقوا عليه، فالمسألة بالنسبة لهم «إما طلعة والا طبعة»، وإلا فهل يعقل أن «يكسر إبليس مواعينه» هكذا دون مقدمات، بعد سنوات من النجاح السياسي الملحوظ، حتى وإن وقف كثير من السياسيين في طريقهم؟ وأقول أيضاً إنه، إذا كان هناك من يقول عن بعض السياسيين «المرموقين» إنهم سيبتعدون عن الساحة السياسية لمجرد أن الحكومة سوف تقف منهم موقف الحياد داخل البرلمان المقبل، للإيحاء بأنهم اعتمدوا على دعم سياسي حكومي، فإن هذا الهجران السياسي سوف يتحقق فقط «إذا حجت البقر على قرونها»، أو «إذا اقدروا يشوفون حلمة آذانهم»، والأيام بيننا.