قيل: تخشى الأم علينا من الغرباء، ولم يظلمنا سوى الأقرباء. ظُلم الأقارب أشدُ وقعا من السيوف.كلّفني ما ستقرأه الآن أربعة عشر يوماً، كنت في حالة عجز تام عن التعبير رغم أنه الأداة الوحيدة التي يلجأ إليها الكاتب، لكن وكما قيل «لا يكتب إلا من يتألم».
هذه رسالة لكل ولي أمر وأب وراعٍ ومسؤول، برُّ أبنائك بك امتداد لبرّك بهم ومعروفك وطيبك معهم، إن لم يجدوا فيك الرحمة ولا الذكريات الجميلة، فلا تتوقع برّهم أبدا ولا تلُمهم عندئذ على قصورهم!حدّثتني صديقة لي عن كمية التعاسة التي أحدثها لها والدها في طفولتها، وكمية العقد التي تراكمت فيها بسببه، تقول إنها شهدت ظلمه للمساكين، وانحرافه وعلاقاته، شهدت تعامله البائس مع أمها، وأخلاقه التعيسة مع الناس. تسترسل في حديثها ثم تقاطع اندماجها غصة تتعثر بها لتقف، تنظر للأعلى، وكأنها تتوسل دموعها ألا تنهمر، ثم تكمل لكنها بالكاد ذكرى موجعة لم تتخطها بعد، تشرح لي كيف شاهدت بعينها تجرّد والدها من هيبته ووقاره، تذكر لي بالتحديد متى سقط والدها من مرتبة الأب والقدوة!وكلما ذكرت شيئا واسترسلت في تفاصيله لعنته أنا في قلبي ألف لعنة! تُقاطع حزنها أسئلة متوالية: هل تعرفين شعور أن تحملي اسما يُشعرك بالعار؟ ماذا تفعلين لو كنتِ ابنة لأب سمعته سيئة جداً؟ كيف المناص من حقيقة أنكِ ابنة لأب ظالم أناني وجشع؟ لم تكن تريد أجوبة حقا، لكنها كانت في حالة جعلتني أتساءل: كيف يجرؤ الآباء على أن يُحدثوا صدوعا في أفئدة أبنائهم يستحيل معها الترميم؟! كيف يمكن لأي ولي أمر أن يهزّ ذاكرة أرواح من صُلبه فيجعلها هشّة، لا تقوى على الوقوف منتصبة؟ كيفّ يزرع فيهم ذاكرة وشخصية هزيلة، كلما ذُكر أمامهم أن الأب سند، تمتموا في صدورهم «تنهيدة ألم وحسرة»؟! كيف يلحقون بهم هذا الكم من الأذى النفسي الذي يدفعهم لعدم استيعاب إمكانية وجود آباء «طبيعيين» في العالم؟!أتدري أيها الأب أن الجروح التي تقترفها بيدك على أبنائك لن تُنسى ولن تبرأ؟ كل شيء قابل للترقيع عدا تلك الصدمات التي جاءت من الوالدين. الآن بتّ أجزم أن البر معادلة متبادلة، تكون سندا لأبنائك يكونون لك درعا، تكون لهم حضنا ومودة، يكونون لك رحمة ولطفا، كيفما تكون لهم يكونون لك! لذلك كن نعمة يشكرون الله عليها، ويفخرون بالانتماء لها، لا نقمة يمضون حياتهم كلها وهم يوارون «فشلة» اقترنت بأسمائهم دون ذنب ولا اختيار منهم. وللمرة التريليون: لا تُنجبوا إذا لم تكونوا خير أهل لأبنائكم.
مقالات
بعض الأهل نقمة
19-08-2022