مرت ثلاثة أشهر على حادثة غرق قارب هجرة غير شرعي في طرابلس كان ضحاياها بالعشرات ولم تنتشل الدولة اللبنانية جثثهم من البحر، إلى أن وصلت غواصة من الهند لتقوم بواجبها، في تأخيرٍ يعكس مدى الخفّة في التعاطي مع الأزمات أو الكوارث التي يعيشها لبنان، وهذا لا يقتصر على هذا الملف فقط، بل يشمل كل الملفات، من تشكيل الحكومة إلى إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتأخير البحث في ملف اللاجئين السوريين، وصولاً إلى التأخير المرتقب في إنجاز استحقاق انتخاب رئيس جديد.ومن مسببات التأخير ليس انعدام المسؤولية لدى أصحاب السلطة في لبنان فقط، بل خلافاتهم السياسية على آلية إعادة تركيب الحكم. الجميع يفضّلون تأجيل بت الاستحقاقات إلى حين تبلور وجهة المفاوضات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الملف النووي، ففي حال أبرم الاتفاق سيكون لبنان أمام مرحلة جديدة تشهد بعض التهدئة السياسية على طريق البحث عن تسوية تنتج ولاية رئاسية جديدة بعد الاتفاق على رئيس الجمهورية.
وينتظر لبنان مندرجات الاتفاق النووي، وكيفية انعكاسه على الوضع في المنطقة، بحسب ما تقول معلومات متابعة، فإن الإيرانيين يبدون كل الاستعجال لإبرامه والحصول على ضمانات، مقابل استعجال البحث في ملفات إقليمية ودولية من ضمنها الساحة اللبنانية، والتي تنتظر أيضاً الوصول إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود. وبحسب ما تقول مصادر رسمية لبنانية، فإن اتفاق الترسيم شبه جاهز من الناحية التقنية، لكنه يحتاج إلى ظرف سياسي ملائم، وإذا تم توقيع الاتفاق النووي فسيكون من السهل توقيع اتفاق الترسيم، أما في حال تعثّر «النووي» في خطواته الأخيرة فلا بد من توقع حصول تصعيد من «حزب الله».وسط هذه الملفات العالقة، وفي ظل حالة الانتظار، أعاد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي تشغيل محركاته سعياً وراء تشكيل الحكومة، ولذلك أجرى زيارة لقصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون، وقدم عرضاً جديداً يقترح فيه عدم توزير وزيرين في الحكومة الحالية، كليهما من المسلمين، ولم يمسّ بأي وزير من الحصة المسيحية، لكن عون يرفض اقتراح ميقاتي لأن الوزيرين المسلمين هما وزير الاقتصاد أمين سلام والمهجرين عصام شرف الدين، ويعتبرهما عون محسوبين عليه وأي تغيير يشملهما يعني تناقص حصّته الوزارية.
وتضيف المصادر المتابعة أن ميقاتي يتحرك بعد ضغوط كبيرة مورست عليه من عون والتيار الوطني الحرّ، وبالتالي تحرّكه يأتي درءاً للمفاسد بدلاً من البحث عن إبرام المصالح، موضحة أن خطوته منسّقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يريد ترك أي ذريعة لعون للبقاء في قصر بعبدا، لا سيما أن عون يرفض تسليم صلاحياته لحكومة تصريف الأعمال. وتأتي خطوة محاولة تشكيل الحكومة في توقيت رئاسي ولحسابات رئاسية محضة، إذ يسعى بري إلى أن يكون صاحب الدور المقرر في الانتخابات الرئاسية، وفي حال تم تشكيل الحكومة فسيكون لديه المزيد من الوقت ومن الأوراق القادر على استخدامها في حال لم يحصل توافق على شخصية الرئيس، وبالتالي يكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات قادرة على مواكبة الفراغ الرئاسي، فلا يكون رئيس البرلمان محرجاً في الدعوة إلى الجلسات الرئاسية مادامت مقومات التوافق لم تتوفر.رمى ميقاتي الكرة في ملعب عون، الذي لا يزال يفرض شروطاً تعتبر قاسية على أي رئيس للحكومة، فيما المعارضون للرئيس يؤكدون أنه سيحاول فرض شروط متعددة حول الحصول على الثلث المعطل، وتعيين 6 وزراء سياسيين في الحكومة بالإضافة إلى إقرار سلسلة تعيينات عسكرية وأمنية وقضائية قبل انتهاء ولايته، هذا أمر لا توافق عليه أغلبية القوى السياسية. كل الحركة السياسية التي يشهدها لبنان حالية ترتبط باستحقاق رئاسة الجمهورية، في حين لا مؤشرات على وجود غواصة دولية ستعمل على انتشال ما تبقى من جثّة الدولة.