أفاد «الشال» في تقريره، بأنه بعد إنشاء جامعة الكويت عام 1966، وكانت موزعة على مبانٍ ما بين ثانوية الشويخ ومبانٍ مدرسية أخرى في مجموعة من مناطق الكويت السكنية، تبنت الحكومة مشروع تأسيس جامعة شاملة في بداية ثمانينيات القرن الفائت، واحتاج الأمر نحو 40 سنة لإتمامه، بعد أن تضاعفت التكلفة عدة مرات وتعرضت مبانيها لسبع حرائق.

في التفاصيل، وخلال تلك الفترة الطويلة، تضاعف خريجو الثانوية العامة عدة مرات حتى بلغ عددهم نحو 44.6 ألف طالب في العام الدراسي 2020/ 2021 شاملاً خريجي تعليم الكبار، وبمعدل نمو سنوي مركب بنحو 6.2% للسنوات السبع الأخيرة، ولاستيعابهم خلال فترة الانتظار الطويلة حتى انتهاء بناء الجامعة الحكومية، وإضافة إلى الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، تم تأسيس 15 مؤسسة تعليم عالٍ خاصة عاملة، إضافة إلى 5 مؤسسات تعليم عالٍ خاصة أخرى تحت التأسيس.

Ad

ومازالت مؤسستا التعليم العالي الحكومي هما الأكثر استيعاباً لأعداد الطلبة، حيث بلغ عدد الدارسين فيهما نحو 77 ألف طالب في العام الدراسي الفائت، أو نحو 66% من إجمالي طلبة التعليم العالي. ومازالت جامعة الكويت تضم 16 كلية إلى جانب الدراسات العليا، وهي بذلك الأكبر، ومازال ضمنها بعض الكليات المتفوقة، لكن تصنيفها وفقاً لمؤشرات متنوعة للأداء، انحدر إلى ما بعد الألف جامعة الأفضل في العالم وفق QS World University Rankings، ومازالت مخرجات «التطبيقي» فاقدة الصلة بسوق العمل.

وفي بلد تحتكر فيه الدولة نحو 90% من الأراضي، وأسعار الأراضي الباهظة وغير المبررة بالتبعية، تجعل إقامة أي مشروع خدمي أو سلعي منافس شبه مستحيل، ارتبطت إمكانية انشاء مؤسسة خاصة للتعليم العالي بشكل شبه كامل بمنحة أرض من أملاك الدولة لعدد محدد من السنين. وعدد السنين ثابت وقصير، ما يمثل عامل ضغط لاستعادة كل الاستثمار المالي في المشروع وأرباحه بأقرب وقت ممكن، مما قد يرجح أفضلية العامل التجاري على العامل التعليمي.

ولا أحد يلحظ انخفاض مستوى مخرجات التعليم ما دام ربط راتب الوظيفة العامة بالشهادة بغض النظر عن المستوى أو التخصص أو حتى الحاجة، ولا فرق إذا ما كانت الشهادة حقيقية أو مزورة، لذلك، نحو 63% من موظفي القطاع العام من حملة شهادات ما بعد الثانوية إلى الدكتوراه، وإنتاجية القطاع ضعيفة جداً.

وتشير تقديرات «الشال» إلى أن تكلفة الطالب في جامعة الكويت تبلغ نحو 13 ألف دينار سنوياً وفي التطبيقي 8 آلاف، وتكلفة الطالب المبتعث إلى الخارج نحو ضعف تكلفة طالب جامعة الكويت، بينما يبلغ معدلها لجامعات التعليم العالي الخاص ما يتراوح بين 6.5-7.5 آلاف، ولكليات التعليم العالي الخاص ما يتراوح بين 4.5-5.5 آلاف.

وكما في حالة التعليم العام، المشكلة ليست في شحة المال، إنما في هدره وسوء توزيعه. وضمن تصنيف «QS» للجامعات، هناك 48 جامعة عربية ضمن قائمة الألف أفضل جامعة في العالم، للسعودية 14 جامعة ضمنها، ومنها جامعتان بالترتيب 109 و163، وللإمارات 11 جامعة ضمنها جامعة بالترتيب 183، ولبنان 8 جامعات، والأردن 4 جامعات، والبحرين 3 جامعات، أما الكويت فجامعتان فقط، هما الجامعة الأميركية للشرق الأوسط في الفئة 701-750، وجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا ضمن الفئة 801-1000، أي ليس في الكويت جامعة ضمن قائمة أفضل 700 جامعة.

نكرر أن التعليم أولوية أولى، وأي حديث عن الإصلاح دون ثورة تنقذه لن تحقق سوى سراب، وتكلفة الطالب في الجامعة الحكومية وفق تقديراتنا ضعف تكلفة طالب المؤسسات التعليمية الخاصة، وهو أمر مقبول لو ارتبط بصعود تصنيفها وغزارة أبحاثها وتفوقها بالمستوى على مؤسسات التعليم الخاص، ولكن ما يحدث هو العكس تماماً، وهو ما يتطلب علاجاً جوهرياً.

ومنح الأراضي لفترة زمنية موحدة لمؤسسات التعليم الخاص إجراء خاطئ، والصحيح في تقديرنا هو ربط المدة بالتقدم ضمن فئات التصنيف العلمي، حتى لو امتد منحها إلى 100 عام لمن يستمر في كسر أرقام التصنيف إلى الأفضل، وتسحب من الفاشل، فما هو على المحك ليس المال، وإنما صناعة الإنسان.