دنيا الفنون جميلة... أينها؟
بلد بلا ثقافة ولا فنون هو مقبرة كبيرة لا يوجد به غير أسواق استهلاكية للعلف، وتمضية الفراغ الروحي القاتل، وسيارات تتسابق يقودها مخابيل، المخرج المسرحي سليمان البسام، وهو نجم مبدع في بلاد الغير، ومنسي في وطنه الكويت، كتب مقالاً مؤلماً الخميس الماضي في «القبس».سليمان فقد الأمل بعودة روح الفن والإبداع في الكويت، وقد تألقت تلك الروح في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ثم غرقت في غيبوبة كاملة منذ الثمانينيات، وبارك الله في «عاداتنا وتقاليدنا وهويتنا الجديدة» التي فرضتها علينا السلطة بتجاوبها مع جماعات الجمود والتحجر، فلا توجد مؤسسة جادة يمكنها أن تنهض بالثقافة والفنون الغائبة، والمجلس الوطني للثقافة والفنون أصبح جسداً بلا روح، بعد أن كبلت حريته بالأوامر والقرارات الرقابية كما يحدث في معرض الكتاب، وبعد أن أصبح ساحة جانبية للصراعات السياسية في تولي المناصب الإدارية به، وأضحى حالة مثل باقي مؤسسات الدولة، حيث الواسطة والمحسوبية هما المعياران في الاختيار وليس الكفاءة والقدرة.أما دار الأوبرا، التابعة لمركز جابر، فقد كان من المفروض أن تكون صرحاً ثقافياً يحتضن فرقة الأوركسترا الوطنية، ويقدم الفنون السامية كي تدفع لسماء عالية في بلد ملتحف بأتربة اللامبالاة والقنوط الروحي، فقد أضحت تلك الدار مجرد واجهة صخرية صماء بإدارة شركة لا شأن لها بالفنون الراقية، وتعاقدت مع الديوان الأميري في عهد مضى بمبلغ يتجاوز الخمسين مليون دينار لمدة خمس سنوات، ولا يشمل خدمات الصيانة - ماذا بقي لأوركسترا لندن؟
ماذا قدمت هذه الإدارة خلال خمس أو ست سنوات مضت إذا استثنينا لمحات بسيطة تألقت فيها بأسعار تذاكر خيالية، أما عدا ذلك فالقاعدة عندها مجرد إبراز حفلات هزلية ضئيلة لا تليق باسم الأوبرا، هي في حقيقتها «ذر للرماد في العين» بمعنى يا جماعة «لا تقولون شي ترى إحنا نشتغل»!سليمان البسام يقترح على السلطة السياسية أن تبادر بخلق «مؤسسة الكويت للتقدم الثقافي»، كما هو حال «مؤسسة الكويت للتقدم العلمي»، التي يرأسها سمو الأمير، مهمة هذه المؤسسة أن تقلب هذه الأرض اليباب إلى حديقة جميلة للفن والثقافة، فحياتنا أضحت كأرضنا صحراء قاحلة لا جمال ولا روح ولا إبداع فنياً وثقافياً، هي تضخ المال الأسود كي نجتر بنهم الملل والسأم والتفاهة دون توقف... ويا حسافة.