مكب نفايات أم وسائل للتواصل؟!
تأتي رسالته برنة جرس ترتفع درجة دقات القلب، تبقى ساكنا وبعد نفس عميق تفتح الرسالة بكثير من الشوق المعتق منذ سنين في شيء ما بين الإعجاب والحب وربما كثير من الحنين. تأتي الرسالة باردة كـ «سعيق» بدأ في البعد عن كل بقاع الأرض، فلم تعد سيبيريا كما درسنا في حصة الجغرافيا الأولى ولا خط الاستواء هو أيضا كما عرفناه!رسالته جماعية تشمل كل قائمة الأرقام على هاتفه وهو يقول لهم لا تعيدوا نشر الرسائل «الماسخة» المكررة التي تشمل أحيانا بعضاً من الآيات المقدسة لكل الأديان، يقول اتركوا الآيات والمقدسات ولا تكرروها عبر رسائلكم لأنكم لا تتوقفون عندها بل تستمرون في إرسال بعض السمين والكثير من الغث!تأتي خيبتك الأولى بأن الرسالة القادمة بعد انتظار ثلاثين عاما أو أكثر، أي منذ الانفتاح الأول على الرسائل المبطنة ببعض الإعجاب أو الوله أو ربما هو الحب من بعيد لبعيد!! تتخطي هذه الخيبة فهي ليست الأولى ولا الأخيرة لأن الخيبات تأتي في الآونة الأخيرة في شكل جماعات أو قطعان من الخيبات.
تعملين على تحكيم عقلك فيما يركن القلب هناك عند تلك الزاوية التي بقي فيها منذ سنين، والسؤال المتكرر لديك: «ماذا أفعل بقلبي عندما أكبر؟! هل أركنه أم أنساه أم وأم وأم؟». تعودين إلى رسالته وبشيء من كثير مما تتقنين، وهو أن تحكمي العقل والخبرة ربما، تقولين معه حق فقد كثر الغث على وسائل التواصل حتى أصبحت شيئا من مكب النفايات للعالم كله. التافهون ينشرون تفاهتهم والعابثون أيضا وكثير من المتحكمين والمسيطرين والحاكمين دون أي وخزة ضمير أو حتى رمشة من أعينهم. يأتي إصبعهم فيضغط على صورة أو مشهد فيديو بالصوت والصورة وكثير من الصور والأحاديث المركبة، والتي تتقنها الجيوش الإلكترونية، وهي حقيقة اليوم أكثر من الجيوش الحقيقية في زمن خصخصة الجيوش لتقوم شركات الأمن العالمية بمهمات الجيوش الوطنية!ولكنه لم يتحدث عن الجيوش الإلكترونية بل ركز على الرسائل الواصلة إلى بريده هو أو إلى رقم هاتفه الخاص عبر الوسائل الخاصة جدا في المظهر المفعمة بالعمومية في الواقع!! يقول: أرجوكم ارحمونا لا ترسلوا «جمعة مباركة» مرفقة بآية من الآيات ولا ترسلوا تحيات الصباح المرفقة بعبارة من أي كتاب سماوي، ويكمل: ارحمونا واتركوا الكتب السماوية والأديان خارج لعبة التواصل المنقطع النظير التي نعيش، تواصل لا نهاية له حتى أن بعضهم يحس بأنه لو لم يتابعهم فقد يبدو محلقاً خارج الكون!تعيدين النظر في رسالته التي يعترف عقلك بأنها محقة فيما قلبك يلوم ويلوم ويكثر من اللوم، فهل تبدو الرسالة طبيعية بعد كثر انقطاع؟ وهل أنت من ترسلين «الجمع المباركة» أو عبر الرسل؟ وتدركين أنك لست المقصودة ولكن تعرفين أنه كما أنت كما كثيرين قد غرقتم في بحر النفايات على وسائل التواصل وأنها أصبحت مكب نفايات قذرة ورسائل مسيسة منها وسائل للتواصل كما تسمى. كلهم صار يقول ما كان يقوله بينه وبين نفسه أو ما كان يفعله في تجمعات الأصدقاء والعائلات، حتى حفلات الخطوبة والزواج أصبحت مشاعاً للجميع، وفيها كثير من الابتذال وقلة الاحترام لمشاعر الآخرين بل الكثير منهم. ولم ينجُ من ذلك المسؤولون السياسيون الذين كانوا يحرصون على خصوصيتهم بكثير من «البودي غاردز» لمناسباتهم الخاصة فصاروا يرسلونها هكذا على الفضاء المفتوح كأي بضاعة مشاع للجميع أو إعلان يبدو فيه كثير من الرخص رغم محاولة صبغة بالعلو والرقي! كثير من غثهم الذي لم تكن العامة تحب أن تعرف أو ترى أصبح أمام أعين الجميع متاحاً لمن يشاء، ولن يقال عنه إنه «تلصص» أو أنه انتهك حرمة الأماكن الخاصة والعوائل «المحترمة» جداً!تعيد قراءة رسالته بعد ساعات من فرض البعض قصصه الخاصة وحفلاته على وسائل التواصل، فتقول معه كل الحق ربما كانت رسالته هذه أكثر أهمية في هذه اللحظة التاريخية والعالم ينقلب على قيمه كلها، من أي كلمة أو عبارة أو حتى قراءة مختلفة للرسالة باتجاه القلب، فربما علينا أن نحب ونعشق في عالم أكثر نقاء ونظافة من مكب النفايات الذي يسمى الآن بوسائل التواصل! عجبي جداً!!* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية