قبل أن يحل موعد الاستحقاق الرئاسي وخوفاً من الدخول في الفراغ الذي يتم تحضير المناخات المناسبة له من «مستشاري القصر» أو حدوث فوضى أمنية تمنع انتخاب الرئيس المنتظر للخلاص من الفاجعة التي يعيشها هذا البلد، تخرج أصوات من الأغلبية الصامتة تمني النفس بالقول «بدّنا دولة بالحد الأدنى» وهو حلم يداعب عقول من قلبه وضميره وانتماؤه إلى لبنان.والاستحقاق الأكبر القادم قد يكون آخر فرصة للخروج من الهاوية التي أسقطت فيه المنظومة الطوائفية والفاسدة هذا البلد إلى القاع دون أن يرف لها جفن أو يبقى عندها شيء من الحفاظ على الهيبة والدولة.
أول سؤال يطرحه أهل الخبرة والمعرفة بالشأن اللبناني هو من يصنع الرئيس؟ هل تتم صناعته داخلياً وبتوافق قوى الأمر الواقع الطائفية، أم بقرار إقليمي دولي وبتدخل خارجي؟ هكذا كان حال معظم من جاء إلى سدة الرئاسة، من أيام بشارة الخوري إلى صاحب شعار «إلى جهنم»... وأي مواصفات سيحملها هذا الرئيس القادم ويكون بمقدوره أن ينهض بلبنان ويعطيه «هدنة» ولو لعشر سنوات قادمة؟ هذا المطلب ربما يجد أرضية له على مستوى الفرقاء الفاعلين على الأرض وهو ما أقدم عليه وليد جنبلاط وكان محقاً بذلك، وإلى أن نرى «الدخان الأبيض» يتناثر من قصر بعبدا هناك سيناريوهات يرسمها عدد من أهل الفكر وغير المنتمين إلى جهات سياسية قائمة بعينها، ومنها:السيناريو الأول: قد يحدث التغيير على صعيد «صيغة النظام» بعد 20 أو 30 سنة، أي أننا سنعيش بظل لا دولة ثم تأتي أجيال لا علاقة لها بالمنظومة الطائفية الفاسدة تحمل أفكاراً ورؤى مختلفة، وتكون هذه الطبقة قد ولت وإلى غير رجعة، من شأن ذلك حدوث انفراجة حقيقية للانسداد السياسي والإصلاحي، وعلى يد تلك الأجيال وهذا رأي سمعته من أحد الدبلوماسيين اللبنانيين المخضرمين.السيناريو الثاني: حدوث تغيير من داخل النظام الديني الحاكم في إيران والذي سيأخذ سياسة الانكفاء نحو الداخل وانحسار حجم النفوذ في المحيط الجغرافي وأقرب النقاط الساخنة فيه، خط العراق وسورية ولبنان، ففي ظل الصراع والانقسام الذي يحدث على مستوى الحرس الثوري أو على مستوى مؤسسة الحكم الديني، قد ينتج عنه « توجه معتدل» يوقف تمويل حزب الله وبالتالي يمهد لتسوية داخلية دون أن يكون لطائفة أو حزب القول الفصل.السيناريو الثالث: التعويل على موقف أميركي - فرنسي – سعودي قادر على فرض تسوية في الداخل اللبناني وبالقوة، وهي الدول المتضررة نوعاً ما من استمرار استنزاف الوضع وانهياره إلى الحد الذي لن تسمح به مصالحها بالبقاء متفرجة عليه من بعيد.السيناريو الرابع: استحالة تغيير النظام وصيغة الدستور المعمول بها حالياً من المجتمع المدني وقوى التغيير والتي انتهت «ثورتها» إلى الفشل وترجم ذلك بتشرذم التحالف النيابي داخل مجلس النواب وانقساماته المميتة ولأسباب عديدة من أهمها غياب قيادة وقائد ومشروع جامع، فالمرض الشخصاني أصاب هذه القوى في مقتل.السيناريو الخامس: تتحدث الدوائر السياسية والإعلامية عن التحضير والإعداد لصيغة دستورية تتجاوز اتفاق الطائف والدوحة، سيطلق عليها اسم «ميثاق لبنان الجديد»، يلحظ تعديلاً جوهرياً في الحصص والمناصب والمواقع للطوائف ومنها الطائفة الشيعية، شرط أن يتخلى حزب الله عن سلاحه ويعمل على اندماجه وبشراكة حقيقية مع المكونات والطوائف الأخرى. سيناريوهات الخروج من الواقع المرير الذي يعيشه لبنان تبقى في إطار التكهنات والتمنيات نظراً لحالة البؤس والانهيار الذي يعاني منه الجميع وإن بدرجات متفاوتة، ولم يعد هناك سقف للسقوط، لكن استوقفني حراك مدني تقوده مجموعات من أهل الفكر المستنير وتحت مبادرة تحمل عنوان «إخوة الهوية الوطنية» وستطلق مشروعها في الأيام القادمة، تحذر من استبعاد أي مكون لبناني، تحت أية حجة وعزل أي طائفة حتى لا تقع في جحيم التقسيم المناطقي والطوائفي أو الانجرار إلى حرب أهلية لا يعلم أحد إلى أين سيقود هذا البلد... والمسألة من وجهة نظر القائمين عليها لم تعد ترفاً فكرياً أو هواية مسلية بل هناك مسؤوليات أخلاقية، وطنية تستوجب الرد على كيفية تخطي الانقسامات المذهبية... فالهوية الوطنية هي المرتكز الأساسي وبناء الدولة الوطنية هو المنقذ والحل كما يراه أصحاب المشروع.
مقالات
فرصة للبنان... صناعة رئيس جديد
23-08-2022