الهاوية الأفغانية
على عكس رواية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لم يكن اغتيال أيمن الظواهري حدثاً مؤثراً جداً، فقد كان متقاعداً إلى حد كبير ويعيش مع أفراد من عائلته الممتدة في منزل بكابول تحت حماية حقاني.
في العام الذي أعقب تخلي الولايات المتحدة الشائن عن أفغانستان لصالح طالبان، سلكت البلاد بالضبط المسار الذي كان يتوقعه أي مراقب منطقي؛ إذ تم إنشاء إمارة من العصور الوسطى، جهادية، تؤوي المتطرفين، وستتحمل الولايات المتحدة تكاليف خيانة حلفائها الأفغان لفترة طويلة قادمة، لكن لن يدفع أحد ثمناً أعلى من الأفغان.لا تزال التداعيات الجيوسياسية للانسحاب الأميركي المهين من أفغانستان مستمرة، بعد أن التزم الرئيس جو بايدن بقرار الانسحاب الذي اتخذه سلفه، دونالد ترامب، ومن خلال الكشف عن الولايات المتحدة كقوة آخذة في الانحدار، أعطى الانسحاب دفعة هائلة للإسلاميين المتشددين في كل مكان، بينما شجع روسيا والصين. ليس من قبيل المصادفة أنه بعد وقت قصير من سقوط كابول، بدأت روسيا في حشد القوات على طول حدود أوكرانيا، وأرسلت الصين عدداً قياسياً من الطائرات الحربية إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي التي أعلنتها تايوان.لكن الأمور أسوأ بكثير في أفغانستان، فقدت النساء والفتيات حقوقهن في العمل والتعليم، حيث تعرض العديد من الفتيات للعبودية الجنسية من خلال الزواج القسري من مقاتلي طالبان، كانت فرق الموت التابعة لطالبان تقوم بشكل منهجي بتحديد وقتل أولئك الذين تعاونوا مع القوات الأميركية، وأصبح التعذيب والإعدام أمرا شائعا.
في الحقيقة، تتألف حكومة النظام من الإرهابيين الدوليين وزعماء المخدرات، فسراج الدين حقاني، المسؤول عن الأمن الداخلي لأفغانستان ومنع البلاد من أن تصبح ملاذاً آمناً للإرهابيين الدوليين، هو زعيم شبكة حقاني القاسية، وصنفته الولايات المتحدة على أنه «إرهابي عالمي» ووضعت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار على رأسه.ليس من المستغرب أن تستمر «طالبان» في إيواء إرهابيين معروفين، كما أظهر الأمر باغتيال زعيم القاعدة أيمن الظواهري في وسط كابول بأمر من بايدن. بينما كان بايدن سريعاً في إعلان النصر بعد مقتل الظواهري، فإن الاغتيال بالكاد ينعكس عليه جيدًا. قبل عام، عندما أمر القوات الأميركية بتنفيذ انسحاب متسرع، ادعى أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بأفغانستان، لأن القاعدة «انصرفت» بالفعل. (بغض النظر عن ذلك، قبل أسابيع فقط، أظهر تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن مقاتلي القاعدة كانوا يقاتلون إلى جانب شركائهم في طالبان).ومما زاد الخطر على أفغانستان وجيرانها أن الولايات المتحدة تركت وراءها أسلحة بقيمة 7.1 مليارات دولار في انسحابها الفوضوي من البلاد. وفقاً لتقرير حديث للبنتاغون، ليس لدى الولايات المتحدة أي خطط لاستعادة المعدات أو تدميرها، على الرغم من الاعتراف بأن طالبان قد «أصلحت بالفعل بعض طائرات سلاح الجو الأفغاني المتضررة وحققت مكاسب إضافية في قدرتها على استخدام هذه الطائرات في العمليات».باختصار، أدى قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان بالرغم من تحفظ جنرالاته - قبل شهر من الموعد المحدد له في 11 سبتمبر - إلى خلق كابوس أمني وإنساني، ويستمر بايدن في ارتكاب أخطاء فادحة في السياسة الخارجية في أفغانستان.بعد سقوط كابول، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة ستحكم على مشاركتها المستقبلية مع الحكومة التي تقودها طالبان على أساس «اقتراح واحد بسيط»: ما إذا كانت تساعد الولايات المتحدة على حماية مصالحها، بما في ذلك «دعم حقوق المرأة، وتقديم المساعدة الإنسانية، ومتابعة مكافحة الإرهاب، ولكن على الرغم من فشل طالبان في جميع التهم الثلاث، فإن إدارة بايدن تخفف تدريجياً العقوبات المفروضة على النظام.في الأمم المتحدة، قادت الولايات المتحدة قراراً ينص على إعفاء إنساني من العقوبات المفروضة على أفغانستان، الرخص العامة لوزارة الخزانة الأميركية، والتي تهدف إلى تسهيل توفير الإغاثة الإنسانية تسمح الآن بالمعاملات المالية التي تشمل طالبان وشبكة حقاني، وتتفاوض الولايات المتحدة حالياً مع طالبان بشأن الإفراج عن 3.5 مليارات دولار من احتياطيات البنك المركزي الأفغاني. في غضون ذلك، ترفض الولايات المتحدة استهداف حقاني أو غيره من الإرهابيين البارزين في كابول. نعم، لقد اغتيل الظواهري، ولكن على عكس رواية إدارة بايدن، لم يكن هذا الحدث مؤثراً جدا، كان متقاعداً إلى حد كبير، ويعيش مع أفراد من عائلته الممتدة في منزل في كابول تحت حماية حقاني.ماذا بعد؟ هل تكافئ الولايات المتحدة الآن باكستان، أحد «الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو» البالغ عددهم 18، على فتح مجالها الجوي للطائرة بدون طيار التي قتلت الظواهري؟ صحيح أن باكستان أنشأت طالبان ودبرت هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، لكنها الآن تريد صرف قرض مبكر من صندوق النقد الدولي لمساعدتها على تجنب التخلف عن سداد ديونها.وبالمثل، هل ستستمر الولايات المتحدة الآن في السعي للإفراج عن احتياطيات البنك المركزي الأفغاني لطالبان، على الرغم من إيوائها بلا منازع للإرهابيين وإنشاء دولة دينية قمعية وعنيفة؟ تدافع إدارة بايدن عن تعاملها مع طالبان من خلال الزعم على نحو خادع بأن التهديد الإرهابي الأكبر في أفغانستان هو تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، لكن تنظيم داعش خراسان لديه عدد قليل نسبياً من الأعضاء، وليست لديه دولة راعية أو حلفاء أفغان، ولا يسيطر على أي أرض.يبدو أن إدارة بايدن ملتزمة بعقد نوع من الصفقات الفاوستية مع طالبان، لكن ما الهدف منها؟ إن القوة السياسية لطالبان وأيديولوجيتها تجعلها حلقة وصل مهمة في الحركة الجهادية الدولية، ويهدد حكمها بتحويل أفغانستان إلى أرض خصبة للإرهاب الدولي وتهريب المخدرات والهجرة الجماعية، ولا يوجد مبرر للتعامل معها.من خلال انسحابها السريع والفاسد من أفغانستان، سلمت إدارة بايدن الإسلاميين في جميع أنحاء العالم أكبر انتصار لهم، لكن الحرب في أفغانستان لم تنته بعد، وكما صرح مؤخراً أمير طالبان، الملا هيبة الله أخوندزاده، «هذه الحرب لن تنتهي أبدا، وستستمر حتى يوم القيامة».* براهما تشيلاني أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات ومقره نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، وهو مؤلف كتاب المياه والسلام والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية.
Project Syndicate
مما يزيد الخطر على أفغانستان وجيرانها أن الولايات المتحدة تركت وراءها في هذا البلد أسلحة بقيمة 7.1 مليارات دولار عند انسحابها الفوضوي منها
قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان قبل شهر من الموعد المحدد له في 11 سبتمبر رغم تحفظ جنرالاته أدى إلى خلق كابوس أمني وإنساني
بايدن مستمر في ارتكاب أخطاء فادحة في السياسة الخارجية بأفغانستان
قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان قبل شهر من الموعد المحدد له في 11 سبتمبر رغم تحفظ جنرالاته أدى إلى خلق كابوس أمني وإنساني
بايدن مستمر في ارتكاب أخطاء فادحة في السياسة الخارجية بأفغانستان