قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن الاقتصاد الكويتي أظهر إشارات إيجابية في الربع الثاني وبداية الربع الثالث من العام الحالي، على الرغم من تزايد الرياح المعاكسة، التي تهدد آفاق نمو الاقتصاد العالمي وسط ارتفاع التضخم وتشديد السياسات النقدية والحرب في أوكرانيا.

وحسب التقرير، يواصل قطاع النفط لعب دور جوهري في دفع نمو الاقتصاد الكويتي وسط تزايد إنتاج النفط وارتفاع أسعاره في الربع الثاني من العام على الرغم تراجع الأسعار مجدداً في يوليو نظراً لتزايد مخاوف ضعف نمو الاقتصاد العالمي.

Ad

كما أن المؤشرات الرئيسية للنشاط غير النفطي مشجعة، إذ وصلت المبيعات العقارية إلى مستوى قياسي في الربع الثاني من العام، ووصل الإقراض المصرفي لأعلى مستوياته المسجلة في 13 عاماً في مايو، كما كان الإنفاق الاستهلاكي قوياً، إذ ساهمت المنحة المالية التي صرفتها الحكومة للمتقاعدين في يونيو الماضي في تعزيزه.

من جهة أخرى، واصل البنك المركزي تشديد السياسة النقدية، وإن كان بوتيرة متواضعة نسبياً، سعياً منه لتحقيق التوازن بين كبح التضخم ومواصلة دعم النمو الاقتصادي.

إضافة إلى ذلك، فإن الأوضاع السياسة المحلية ساهمت في رفع حالة عدم اليقين، إذ أدى تصاعد التوتر بين الحكومة ومجلس الأمة إلى استقالة الحكومة في أبريل الماضي وإعادة تشكيلها في أغسطس برئاسة رئيس وزراء جديد، ومن المتوقع إجراء انتخابات برلمانية في وقت لاحق من العام الحالي.

وأدى ذلك لتعطيل الأجندة التشريعية إلى حد كبير، بما في ذلك إقرار مشروع مسودة الميزانية والعديد من الإصلاحات التشريعية الأخرى، التي تتضمن قانون الدين العام الجديد وقانون الرهن العقاري. ونأمل أن تساهم الانتخابات الجديدة في إعادة ضبط الأوضاع، وهو الأمر الذي من شأنه رفع التعاون بين السلطات مما قد يسرع في احراز الأهداف التنموية للدولة.

تراجع أسعار النفط

ارتفعت أسعار مزيج خام برنت في الربع الثاني من العام لتصل في المتوسط إلى 112 دولاراً للبرميل – فيما يعد أعلى متوسط ربع سنوي منذ الربع الأول من عام 2013. وقابل ذلك شح الإمدادات على جانب العرض نتيجة العقوبات المفروضة على النفط الروسي واضطرابات الإنتاج وتناقص الطاقة الإنتاجية لمنتجي «أوبك» وحلفائها.

كما ساهمت تدابير الإغلاق التي طبقتها الصين على مدار فترة طويلة لاحتواء فيروس «كوفيد 19» وارتفاع التضخم عالمياً وتشديد البنوك المركزية لسياساتها النقدية في تعزيز مخاوف السوق بشأن تأثر الطلب.

وأثرت هذه التطورات على المعنويات التي اتخذت مساراً معاكساً منذ منتصف يونيو، مع تصاعد المخاوف المتعلقة بنمو الاقتصاد العالمي، خصوصاً بعد قيام الاحتياطي الفدرالي الأميركي بتشديد وتيرة رفع أسعار الفائدة.

وبلغ سعر مزيج خام برنت نحو 98 دولاراً للبرميل بمنتصف أغسطس، بعد تراجعه بأكثر من 20% مقارنة بأعلى مستوياته المسجلة في الربع الثاني من العام والبالغة 124 دولاراً للبرميل في 8 يونيو. كما اتخذ خام التصدير الكويتي اتجاهات مماثلة، إذ تراجع بنسبة 15% من أعلى مستوياته المسجلة في الربع الثاني من العام ليصل إلى 106 دولارات للبرميل في 12 أغسطس.

وتشير أسواق العقود الآجلة إلى استمرار ضعف أسعار النفط في المستقبل مع استمرار سيطرة المخاوف بشأن الطلب، إذ وصل سعر العقود الآجلة لمزيج خام برنت إلى نحو 90 دولاراً بمنتصف أغسطس.

بنود الموازنة

أدى الانتعاش الملحوظ الذي شهدته أسعار النفط وارتفاعها من أدنى المستويات المسجلة خلال الجائحة في تعزيز أوضاع المالية العامة. ووفقاً لبعض التقارير الصحفية، سجلت الموازنة العامة عجزاً مالياً قدره 3.6 مليارات دينار فقط للسنة المالية 2021/2022 (8.5% من تقديرات الناتج المحلي الإجمالي) فيما يعد تحسناً ملحوظاً مقارنة بالعجز المتوقع بمقدار 12.1 مليار دينار والعجز بقيمة 10.8 مليارات دينار تم تسجيله في السنة المالية 2020/2021.

وساهم ذلك في الحد من ضغوط السيولة التي تعرضت لها الميزانية في الفترة السابقة. لكن تحسن الأوضاع المالية وارتفاع أسعار النفط منذ بداية السنة المالية 2022/2023 أدى إلى تزايد الدعوات لزيادة الإنفاق.

وبالفعل، اقترحت لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية زيادة الإنفاق بنسبة 5% (إلى 23.1 مليار دينار) مقارنة بمشروع الموازنة المقدم في يناير الماضي، مما يشير إلى اتخاذ مسار مخالف لخطة الحكومة للحد من الإنفاق.

ويعكس هذا الارتفاع الدعوم الإضافية التي تم صرفها لتعويض ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى، ومن المتوقع أن يقر البرلمان الميزانية المعدلة في سبتمبر/ أكتوبر.

كما رفعت اللجنة البرلمانية السعر المفترض لبرميل النفط في الميزانية إلى 80 دولاراً للبرميل مقابل 65 دولاراً للبرميل في الموازنة التقديرية في يناير الماضي، مما أدى إلى ارتفاع فائض الميزانية المتوقع إلى 0.3 مليار دينار.

إلا أنه مع وصول متوسط أسعار النفط إلى 112 دولاراً للبرميل في السنة المالية الحالية (حتى 12 أغسطس)، يعتبر هذا الفائض المتوقع متشائماً جداً. ووفقاً لتقديراتنا التي تشير إلى وصول أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، نتوقع تسجيل فائضاً قدره 4.8 مليارات دينار (8.8% من الناتج المحلي الإجمالي)، والذي يعد أول فائض مالي تسجله الحكومة منذ عام 2014.

كما تركز الحكومة على إعادة رسملة صندوق الاحتياطي العام، الذي كان على وشك النضوب بالكامل بعد ان بلغت قيمة السحوبات التراكمية من الصندوق قرابة 19.8 مليار دينار على مدى السنوات الأربع الماضية (السنة المالية 2017/2018 للسنة المالية 2020/2021).

ووصل صافي أصول الصندوق إلى 5.6 مليارات دينار بنهاية السنة المالية 2020/2021، وتشير التقارير لزيادة الاحتياطيات النقدية منذ ذلك الحين، وفقاً لوسائل الإعلام المحلية.

كما ساهم سداد نحو 0.5 مليار دينار من الأرباح المحتجزة لمؤسسة البترول الكويتية المملوكة للدولة (كجزء من الآلية المتفق عليها لسداد مبلغ إجمالي معلن قدره 7 مليارات دينار) في تعزيز سيولة الصندوق.

إضافة إلى الإعلان عن تعليق التحويلات إلى صندوق الأجيال القادمة خلال السنة المالية الحالية، والتي تتم عادة عندما تسجل الدولة لفوائض مالية، في حال تحقيق فائض. وستتركز الأولوية بدلاً من ذلك على استعادة مستويات مناسبة للسيولة في صندوق الاحتياطي العام.

وما تزال الاحتياطيات المتوافرة لدى صندوق الأجيال القادمة مرتفعة، إذ تصل لنحو 700 مليار دولار، أو ما يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للدولة.