بعد الخطاب التاريخي لسمو ولي العهد، نيابة عن سمو الأمير، بتاريخ 22/ 6/ 2022، دخلت الكويت بدايات مرحلة جديدة، تستحق التأمل والمراقبة والصدق والتقويم، في ظل أجواء شعبية مفعمة بالاستبشار والتفاؤل.فالخطاب الأميري شخّص جملة من الإشكاليات والمعضلات التي عاناها البلد ويعانيها منذ عقود من الزمان، وجاء بتوجهات تتّسم بالجدية في السير بنهج للإصلاح، وهي جميعها معطيات تستحق أن يتم الوقوف عندها والتحاور بشأن مكامن ضعفها ومواضع قوتها، والسبيل لتدعيمها وإحداث نقلة إصلاحية حقيقية وكاملة، تحقق الغاية المطلوبة، ألا وهي «تصحيح مسار المشهد السياسي».
وسأطرح في هذه المقالة بعض الأمور الجوهرية بلوغاً للغاية المبتغاة على نحو منهجي مستحق ومدروس.على مستوى الحكم، نحتاج لوقفة مراجعة لازمة، لإنهاء حالة خلط الأدوار، فالحكم له دور محدد وموصوف، وهو إمداد الدولة بالأمير وولي العهد، والبقاء في موقع المرجعية للدولة وللشعب كما رسمه الدستور، ومن ثم يلزم ترك رئاسة الوزراء لتداول شعبي تحت رقابة سمو الأمير والبرلمان، وبذلك ينتهي صراع لا مبرر له بين أبناء الأسرة على المناصب العامة، بما في ذلك رئاسة الوزراء، وهو منصب مقرر لغير أبناء الأسرة.على مستوى ثوابت الدولة وسياساتها، نحتاج إلى جهاز ضمن آلية الدولة، وربما ينبثق عن مجلس الوزراء، مهمته تعقّب ومراقبة السياسات الثابتة للدولة وعدم الخروج عليها من أي سلطة أو أي مؤسسة، وإن حدث مثل ذلك يتم التنويه له، ليقوّم الخروج والعودة إلى المسار الصحيح، فمشكلة البلد أنه لا ثبات لسياسات الدولة، ويأتي وزير فيخترق ذلك، عملاً بقاعدة «قال من أمرك قال من نهاني».على مستوى تكوين مجلس الأمة، فإن استكمال المسيرة البرلمانية للبلد يستوجب أن نبادر إلى تنظيم الجمعيات السياسية كآلية ضرورية ضمن آليات العملية الانتخابية، وهو مطلب يحقق تصحيحاً للمشهد السياسي، وفي عام 1993 أعددت تصوراً كاملاً، لا يزال موجوداً، يحقق فاعليتها أو التحفّظ بشأنها ويمنع انحرافها، ولا بدّ أن يتزامن ذلك مع تغيير نظام الانتخابات، فالدوائر تكون غير جغرافية على أساس يوم ميلاد الناخب وبنظام القوائم الانتخابية المغلقة وبتمثيل نسبي، (المقترح أيضاً جاهز منذ عام 2012، ولا يزال)، وهنا نصبح أمام مجلس أمة يتمتع باستقلالية، وتكون مرجعيته فقط الإرادة الشعبية الحقيقية بمنع كل مداخل أسْرِه أو اختطافه أو شرائه، ليكون مجلساً فعلاً سيداً لقراراته، أما تكوينه الحالي فسيبقى معلولاً وضعيفاً ومحكوماً بنزعة فردية تعيد المشهد السياسي وتعود بالبلد إلى المربع الأول، ويستكمل ذلك لزوماً بإصلاح آليات عمل المجلس، وعلى رأسها لائحته الداخلية بخمسة إصلاحات مستحقة وجاهزة من خلالها يطوّر العمل البرلماني.على صعيد السلطة التنفيذية، ينبغي ابتداء الإقرار بحتمية تبنّي فكرة تداول رئاسة الوزراء، وأن تكون شعبية وفقاً للاتجاهات البرلمانية تحت رقابة سمو الأمير والبرلمان، كما هي الحال الطبيعية للأنظمة البرلمانية، ولعل في التجربتين الأردنية والمغربية ما يدعم التوجه والسير بذات المنحى الذي تم تبنّيه لديهما، وبذلك نصبح أمام حكومة مستقلة وبعيدة عن الترضيات والمحاصصة، أداؤها وبرنامجها هما سبيل استمرارها.على صعيد السلطة القضائية، نحتاج - ابتداء - إلى فصل رئاسات السلطة القضائية بتعديل تشريعي يجعل رئيس القضاء مختلفاً عن رئيس محكمة التمييز وعن رئيس المحكمة الدستورية، ويقرر توقيت المناصب القضائية بدورتين مدة كل منها 4 سنوات، ويتم تكويته خلال 5 سنوات، ويتم تبني مخاصمة القضاة، ولعل الاقتراح بقانون المقدّم بمجلس 2008، وساهمنا في إعداده، يكون محققاً لذلك بالكامل.على صعيد المؤسسات والأجهزة، تبنّي فكرة المسؤولية والمحاسبة في الأداء أساساً لتولي إدارة المؤسسات والأجهزة، مع توقيت شغل أي منصب بـ 4 سنوات، ولا يتم التجديد إلا بتمييز لا خلاف عليه.على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، أن تكون هناك رؤية تنموية واضحة ثابتة ومتجددة، وتحكمها سياسات واضحة لا تكون خاضعة لهوى أي طرف؛ سلطةً أو رئيس وزراء أو وزيراً، وهو ضمان وركيزة النجاح.على مستوى إعادة بناء المواطنة ومسؤولياتها، لا بدّ من الخروج من المواطنة الاتكالية التي تعودت على الأخذ والدّعة والراحة وقلة الإنتاجية، ليتغير المفهوم إلى مواطنة شريكة ومعطاءة، وهو ما يحتاج إلى برنامج زمني لخمس سنوات، لتغيير ثقافة المواطنة من اتكالية إلى منتجة ومساهمة.
أخر كلام
تصحيح مسار المشهد السياسي
24-08-2022