مواقف الدول الآسيوية من أزمة مضيق تايوان
يبدو أن دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ تُجمِع على مسألة واحدة أن الوضع الراهن في مضيق تايوان أصبح مثيراً للقلق، ويطرح تهديداً محتملاً على السلام والاستقرار في أنحاء المنطقة، لكن بعيداً عن هذه الفكرة، تختلف مواقف الدول بكل وضوح، لا سيما في مسألة تحديد الجهة الملومة على الاضطرابات الراهنة: الولايات المتحدة بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، أم الصين نتيجة تدريباتها العسكرية الاستفزازية وغير المسبوقة في أنحاء الجزيرة؟بعد مراجعة التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارات الخارجية والبيانات الصحافية والتعليقات الإعلامية في 33 بلداً من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تبيّن أن البلدان الثلاثة الأكثر ميلاً إلى دعم الصين هي ميانمار، وكوريا الشمالية، وروسيا، حيث تلوم هذه الدول الولايات المتحدة صراحةً على افتعال الاضطرابات الراهنة. ويذكر بيان صادر عن الحكومة العسكرية في ميانمار أن زيارة بيلوسي أدت إلى «تصاعد الاضطرابات في مضيق تايوان»، أما كوريا الشمالية، فقد انتقدت «تدخّل الولايات المتحدة الفاضح في شؤون بلدان أخرى واستفزازاتها السياسية والعسكرية المتعمدة»، تكلمت روسيا من جهتها عن «المشاكل والأزمات التي سبّبتها واشنطن»، واتّهمت الولايات المتحدة «بانتهاك مبدأ المساواة في سيادة الدول».
ويبقى مستوى دعم الولايات المتحدة ضئيلاً، إذ عبّرت عشر دول أخرى عن مواقف قريبة من الصين، لكنها لم تهاجم الولايات المتحدة مباشرةً، ومواقف هذه البلدان تتماشى مع المعايير التالية: يُعبّر البلد عن موقفٍ مفاده بأن تايوان «جزء لا يتجزأ من الصين»، ويعلن دعمه لسيادة الصين ووحدة أراضيها أو قلقه من انتهاك هذه السيادة، ويدعو إلى «عدم التدخل» في شؤون الصين الداخلية، وهذه المواقف كلها تتماشى مع توجهات بكين.في المقابل، اتخذت أربعة بلدان مواقف أقرب إلى الولايات المتحدة، لكن من دون أن تدين الصين مباشرةً: الهند، نيوزيلندا، سنغافورة، فيتنام، وهذه الدول دعت إلى «منع تصعيد الاضطرابات»، وإلى «ممارسة ضبط النفس» (إنها الكلمات التي تستعملها واشنطن)، لكنها لم تستخدم عبارات مشابهة للتعبير عن قلقها حول السيادة ووحدة الأراضي. وشددت سنغافورة مثلاً على تجنب حالات سوء التفاهم والحوادث لأنها قد تؤدي إلى تصعيد الوضع وزعزعة استقرار المنطقة. لم تُعلّق الهند من جهتها إلا بعد مرور عشرة أيام على وصول بيلوسي إلى تايوان، فأعلنت أخيراً: «نحن ندعو الجميع إلى ضبط النفس، وتجنب التحركات أحادية الجانب التي تستطيع تغيير الوضع الراهن، ومنع تصعيد الاضطرابات، وبذل الجهود اللازمة للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة».في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، انضم بلدان فقط (أستراليا واليابان) إلى الولايات المتحدة وتايوان، فانتقدا الصين مباشرةً بعد تدريباتها العسكرية بالقرب من تايوان، في بيان مشترك مع وزراء خارجية دول مجموعة السبع، استنكرت اليابان «الخطوات الخطيرة التي تتخذها جمهورية الصين الشعبية»، وأعلنت أستراليا أنها تشعر «بقلق شديد من إقدام الصين على إطلاق صواريخ بالستية نحو المياه المحيطة بساحل تايوان»، واعتبرت هذه الأعمال «غير متكافئة وكفيلة بزعزعة الاستقرار». وللإشارة فإن إعادة التأكيد على «سياسة الصين الواحدة» لا تدخل في الخانة نفسها، فقد ذكر كل بلد في بيانه هذا المبدأ، بما في ذلك الولايات المتحدة التي لا تتفق مع المواقف الصينية بأي شكل، لكن تعتبر وزارة الخارجية الصينية إصرار الدول على التزامها بـ«سياسة الصين الواحدة» إثباتاً على دعمها، مع أن بقية تفاصيل البيانات تشير إلى عكس ذلك.أخيراً، لم يُصدِر عدد من دول آسيا والمحيط الهادئ أي بيانات رسمية، وتُعتبر كوريا الجنوبية، حليفة واشنطن، الأبرز في هذه الخانة.تبقى مواقف الدول حول أزمة مضيق تايوان الأخيرة قريبة من المواقف الجيوسياسية العامة. تحمل بيانات الحكومات التي تصطف عموماً مع الولايات المتحدة أو الصين مواقف تُعبّر عن توجهاتها في ملف تايوان، لكن من الواضح أن معظم دول المنطقة، بما في ذلك جميع بلدان جنوب شرق آسيا، لا تريد الانحياز إلى أي طرف.* شانون تزي