بقايا خيال: «طرارون» ينظفون شوارعنا
إذا جاءتك دعوة لزيارة بيت أسرة تركية فقيرة معدمة، ولا أقول غنية، حينها ستتعرف على عادة تركية غريبة وجميلة في الوقت ذاته، وهي ما إن يفتحوا لك الباب والترحيب بك وبمن معك حتى تجدهم ممسكين بنعال نظيف ويطلبون منك بأدب أن تخلع حذاءك عند الباب ويقدمون لك ولكل مرافق لك نعالاً نظيفا كي تدخلوا به إلى بيتهم، فيظل بيتهم نظيفاً خالياً من الجراثيم والمايكروبات، وقد لاحظت أن أي تركي يزورك في بيتك ينتظر عند الباب متوقعاً أن تقدم له نعالاً يرتديه بعد أن يخلع حذاءه، وإذا لم تقم بذلك فإنه يستأذنك للسماح له بالدخول إلى بيتك مرتدياً حذاءه، هذه هي إحدى العادات التركية الجميلة التي عرفتها وتعلمتها وقمت بتطبيقها في بيتي هناك. كما لاحظت أن الكناسين الأتراك يرفضون «البخشيش»، بل يغضبون منك إن سلكت هذا المسلك، ولا ترى من الأتراك من يتقدم منهم ليعطيهم «الخردة» أو ليرة أو ليرتين على الطاير، هذا لا يحدث هناك في تركيا أبداً، إلا في الأماكن التي يكثر فيها العرب والخليجيون تحديداً، فهم من دمروا العادة التركية فأساؤوا لأنفسهم قبل أن يسيئوا للأتراك، ولأن الكناسين هم أتراك من البلد نفسه، تراهم يتبادلون شتى الأحاديث والنكات مع المارة متناسين الفوارق الطبقية التي نعانيها رغم ادعائنا أنا مسلمون. في الكويت الوضع مختلف تماماً، فعندما نرى أحد المارة يرمي أوساخاً في الشارع، نتذكر أن الإنسان النظيف في الشارع نظيف في بيته أيضاً، فإذا كان الإنسان مهملاً ومستهتراً بمرفق عام يشاركه فيه كل الناس، ولا يبالي بنظرة الناس إليه باحتقار، فكيف بسلوكه بينه وبين نفسه في السر وفي بيته، حينها لابد أنه يتصرف بأسوأ من ذلك، وإذا طلبت منه بأدب جم ألا يرمي الأوساخ في الشارع، رد عليك بأن هناك من ينظف الشارع، هذا إن لم يدر ظهره ويغادر المكان دون اعتبار لكبر سنك، والمشكلة الغارقة في بحر التناقضات منذ عقود، أن من يقوم بتنظيف شوارعنا وبيوتنا لا يعرفون أصول النظافة، لأنهم جاؤوا من بيئة تنعدم فيها ثقافة «النظافة من الإيمان»، ولا يعرفون أن الإنسان يجب أن ينظف نفسه قبل تنظيف المكان الذي يعيش فيه، وليس في هذا ما يعيب، لأنهم فقراء يعيشون في بيوت تفتقر إلى الحد الأدنى من الحاجات الأولية للآدمية، ولا أقول متطلبات العيش الكريم، بسبب غياب المال وانعدام التعليم وقلة الثقافة الصحية، فكيف بهم القيام بتنظيف شوارعنا وبيوتنا؟
ولهذا نحن الوحيدون في العالم نعتمد على أناس لا يعرفون أصول النظافة لتنظيف الشوارع وترتيب البيوت، ونحن الوحيدون في العالم نعرف أن بعض شركات التنظيف لا تعطي عمالتها كامل حقوقهم، وأهمها رواتبهم الشهرية بانتظام، وبدلاً من محاسبة مسؤولي هذه الشركات، أو محاسبة الجهة الحكومية المسؤولة، نقوم بتعويض هذه العمالة بالبخشيش، حتى تعلموا «الطرارة» من أي عابر سبيل، ونحن الوحيدون في العالم نعاني من شوارع قذرة مليئة بالأوساخ ومليئة بكناسين لا عمل لهم إلا أن يجمعوا الأوساخ عندما تضيء الإشارة الحمراء، ثم يرمونها في الشارع عندما تصبح خضراء، وأهم من هذا كله أننا نحن الوحيدون في العالم حكومتنا تعرف هذا القصور الواضح الفاضح في مسؤولية شركات التنظيف ولا تحرك ساكناً منذ سنوات.