من صيد الخاطر: «لا ناقة لي فيها ولا جمل»
«لا ناقة لي فيها ولا جمل»، مثل عربي قديم اعتاد الناس تداوله بكثرة حتى يومنا هذا، والمقصود منه أن قائله يتبرأ فيه من أمر ليس له علاقة به، ولا مكسب وفائدة له منه، كما أنه يضرب في إنسان يتبرأ من تهمة قد تلصق به.وراء هذا المثل روايتان: الأولى، وهي الأشهر، تدور حول حرب البسوس، الحرب العبثية التي استمرت أربعين عاما بين حيين عربيين بسبب قتل ناقة، هذه الرواية سبق أن كتبنا عنها، وفيها ذُكر مثلنا «لا ناقة لي فيها ولا جمل».فقد كان في ذلك الزمان رجل حكيم يُعرف بحنكته بالحرب، وحسن تدبيره، يدعى الحارث بن عبّاد، فلجأ إليه بنو شيبان طالبين نصرتهم في حربهم ضد قبيلة تغلب، ولكنه رفض أن يكون طرفاً في حرب أزهقت فيها أرواح من أجل ناقة، وقال لهم: لا أنا من هذا، ولا ناقتي ولا جملي، ولا عِدلي، وفي رواية أخرى أنه قال: «لست من هذا، ولا جملي ولا رَحلي»، أما القول الذي شاع فهو: «لا ناقة لي فيها ولا جمل»، قاصداً أن لا شأن له بهذه الحرب وأنّ هذه الناقة لا تعني له شيئاً، فذهب ما قاله مثلا.
أما الرواية الأخرى فتدور حول امرأة تدعى الصدوف بنت جُليس العذرية، وكانت زوجة لزيد بن الأخنس العُذري، وكان لزيد بنت من امرأة غيرها تدعى الفارعة، وقد جعل زيد لابنته الفارعة بيتاً خاصاً بها بعيداً عن زوجته، وجعل لها خادمة تخدمها. وحصل أن خرج زيد هذا في عمل إلى الشام، وكانت الفارعة قد وقعت في حب رجل من ب ني عُذرة يدعى شبث، وكانت كلّ ليلة تأمر راعي والدها أن يعجّل بترويح الإبل بعد أن يحلب لها من حليبها فتشرب اللبن نهاراً، وتركب أحد الإبل ليلاً إلى خارج مضارب قبيلتها لتلتقي حبيبها. وفي أحد الأيام رجع والد الفارعة من سفره، وذهب مباشرة إلى بيتها فلم يجدها، فسأل جاريتها عنها فخلقت الجارية لها عذراً، فلم يطمئن له، فسأل زوجته عما تعرف عن ابنته فقالت: «يا زيد، لا تعجل واقْفُ الأثر فلا ناقة لي في هذا ولا جمل»، في إشارة ذكيّة منها إلى الحكاية التي يردّدها الناس عن ابنته العاشقة التي كانت تذهب الى حبيبها على الجمل، فسمع الناس هذا المثل واشتهر بينهم وأخذوا بترديده، وذهب ما قالته مثلا.ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.