في «سياق معقّد» فرضته جائحة كورونا وحرب أوكرانيا فضلاً عن أزمة دبلوماسية إقليمية فجرتها قضية الصحراء المغربية، انطلقت في تونس، اليوم، النسخة الثانية لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا «تيكاد» بمشاركة آلاف المسؤولين من دول القارة السمراء ومن اليابان الساعية إلى تعزيز الشراكة معها.

وفي تقديمها للندوة، التي أطلقتها طوكيو عام 1993 وتعقد كل ثلاث سنوات، راهنت وزارة الخارجية اليابانية على تعزيز شراكاتها مع الدول الإفريقية استناداً إلى «نقاط قوتها المتمثلة في النمو المقترن بالجودة والتركيز على الإنسان».

Ad

واعتبرت وسائل الإعلام الرسمي، أن المؤتمر رداً من اليابان على الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والمنافسة الأبرز الصين، التي تعمل بخطى حثيثة على ترسيخ وجودها في إفريقيا لا سيما عبر مشاريع بنى تحتية في إطار مبادرتها «الحزام والطريق».

وشارك 30 رئيس دولة وحكومة في النسخة الثامنة من الندوة المنعقدة، اليوم، والغدا، في تونس الساعية أيضاً إلى الاستفادة من فرص اقتصادية تتيحها الشراكة مع اليابان وبقية دول القارة ضمن برامج ثنائية ومتعددة الأطراف.

وبحلول الغد، وصل عدد المشاركين إلى 5000 شخص ليس بينهم رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الذي شارك عن بعد بسبب إصابته بكورونا قبل أيام.

وتعهد كيشيدا، الذي كلف وزير خارجيته يوشيماسا هاياشي ترؤس وفد اليابان، بضخ 30 مليار دولار للتنمية في إفريقيا على مدار السنوات الثلاث المقبلة، مع التركيز على الاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز نمو الجودة في قارة تمارس فيها الصين وروسيا نفوذهما.

وأكد كيشيدا أن اليابان سوف تنمو مع إفريقيا، مما يجعل نهجها مختلفاً عن نهج الصين، الذي يقول منتقدون إنها تثقل كاهل الدول الفقيرة بديون ضخمة مرتبطة بمشاريع البنية التحتية، حسب وكالة أنباء «كيودو» اليابانية.

وأضاف كيشيدا أن اليابان سوف تقدم بصفة خاصة قروضاً تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار بالتنسيق مع بنك التنمية الإفريقي لاستعادة الصحة المالية وسوف تستثمر قرابة 4 مليارات دولار لدعم إفريقيا لتحقيق النمو الأخضر بالتخلص من الكربون وتعزيز القدرة على إنتاج الغذاء وتدريب الأشخاص في قطاع الزراعة، معتبراً أن النظام العالمي المفتوح والحر القائم على قواعد يجب الحفاظ عليه من أجل السلام والرفاهية في العالم، في الوقت الذي يهدف فيه لتكثيف التعاون بين اليابان وإفريقيا.

محاور رئيسية

وتدور مواضيع «تيكاد» حول ثلاثة محاور رئيسية تتضمن تعزيز الاقتصاد، البيئة المستدامة والسلام والاستقرار. وعلى الجانب الاقتصادي تنتظر «زيادة متوقعة في الاستثمارات اليابانية في إفريقيا» خصوصاً في دعم الشركات الناشئة والاقتصاد الأخضر و«تعزيز الأمن الغذائي في إفريقيا وتمويل التنمية»، وفق التقديم الرسمي للندوة.

أما في المحور البيئي، فيتم التركيز على «بناء بيئة مرنة ومستدامة» من خلال برامج في مجالات الصحة والتعليم والبيئة، لا سيما الوقاية من الكوارث الطبيعية. كما يتم بحث «توطيد الديموقراطية ودولة القانون وتجنّب النزاعات والوساطة» للحفاظ على السلام والاستقرار. ويورد فيديو ترويجي للندوة أن غايتها هي تحقيق «تنمية يقودها الأفارقة بأنفسهم».

آمال وانتقادات

وتأمل السلطات التونسية أن يستفيد اقتصادها المتعثر من «تيكاد» في جذب استثمارات يابانية وتحقيق نتائج جيدة في مجالات الصحة وصناعة السيارات والطاقات المتجددة بأكثر من 80 مشروعًا بقيمة 2.7 مليار دولار.

لكن الحكومة تعرضت لانتقادات واسعة لإغلاقها طرقات العاصمة وتخصيصها لتنقل الوفود الرسميّة وتنظيفها وتشجيرها فقط خلال الفعاليات الكبرى. كما شجبت النقابة الوطنية للصحافيين «منع ممثلي وسائل الإعلام من العمل» والسماح لوسائل الإعلام الرسمية فقط بتغطية لقاء بين وزيري خارجية البلدين.

أزمة دبلوماسية

إلى ذلك، طغت على أجواء افتتاح الندوة بوادر أزمة دبلوماسية إقليمية بين تونس والمغرب على خلفية استقبال الرئيس قيس سعيّد زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي للمشاركة في اجتماعاتها.

ورداً على ذلك أعلن المغرب «عدم المشاركة» في الندوة واستدعى سفيره في تونس للتشاور بشأن ما اعتبره موقفاً «عدائياً» من جانب تونس، التي أبدت خارجيتها اليوم «استغرابها الشديد» من الموقف المغربي وما يحمله من «تحامل غير مقبول» عليها، مؤكدة أن الاتحاد الإفريقي المشارك في تنظيم «تيكاد» هو من استدعى «الجمهورية الصحراوية» العضو فيه. كما قررت «دعوة سفيرها بالرباط حالاً للتشاور» بشأن المسألة.

جاء ذلك بعيد استقبال سعيّد لغالي، على غرار رؤساء دول وحكومات آخرين حضروا القمة، وتحدث معه في القاعة الرئاسية بالمطار. وفي افتتاح «تيكاد» قال الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي ماكي سال إنه «يأسف لغياب المغرب لعدم وجود توافق حول مسألة التمثيل»، وأضاف «نأمل ان يتم التوصل إلى حلّ لهذه المشكلة من أجل حسن سير شراكتنا» بين إفريقيا واليابان.