ذكر تقرير الشال الاقتصادي أنه لم يستطع القيام بعملية حصر للهيئات والمؤسسات والمجالس واللجان الدائمة، وإنما قام بإحصاء ما استطاع الاستدلال عليه، وبلغ عددها 50، معظمها لا حاجة حقيقية إليه، ووجوده واستمراره لم يقترن بإنجاز أي هدف، وفي كثير من الأحوال اقترن تزايد أعدادها بهبوط متصل بالإنجاز.

وأضاف «الشال» أن مبررات إنشاء معظمها جاء لخلق وظائف قيادية لمن يطلب ودهم وولاؤهم، وعادية لمواجهة مشكلة البطالة السافرة في اقتصاد ليس لديه مشروع تنموي لخلق فرص عمل حقيقية. كل تلك الهيئات، والأداء يتخلف، فهناك مثلا 12 جهة رقابية للحد من الفساد، والفساد يتزايد، وجهات رقابة نوعية على التعليم، والتعليم تخلف، ومثلها البيئة والطرق والنفط، ويذكر السيد علي خاجه، في برنامجه التلفزيوني، أن المجلس الأعلى لشؤون المحافظات يوظف نحو 2000 للرقابة على أداء نحو 300 موظف، وتكاليف الرقابة ربما 10 أضعاف تكاليف الأداء، ولا أحد يعرف ما هي الحاجة إلى المحافظات.

Ad

وذلك يعني أن للكويت أكبر حكومة في العالم، توظف نحو 80 في المئة من العمالة المواطنة، أو مواطن واحد يعمل فيها من كل اثنين بالغين، ويبلغ عدد هيئاتها المذكورة 3 أضعاف عدد وزاراتها، بينما إنتاجية القطاع العام في هبوط متصل، ولا بأس لو كان ذلك مستداما، فذلك النظام هش جدا ومرتبط بأوضاع سوق النفط، إن انتعش بدأ تفريخ تلك الهيئات، وإن كسد بدأ صياح العجز عن سداد الرواتب، وتأثير صانع القرار المحلي معدوم على متغيرات سوق النفط.

وكل التوقعات، ودون أي استثناء، تؤكد حتمية ضعف متصل لأوضاع سوق النفط في المستقبل، وكل الدول النفطية الأقل اعتمادا على النفط، لديها خطط لخفض تدريجي أكبر في الاعتماد عليه، وحجم الحكومة الكويتية يعمل في عكس ذلك الاتجاه.

نعيد في هذه الفقرة ما هو تكرار لما ذكرناه سابقا ومرارا، لأن هناك نوايا معلنة لإحداث تغيير مع عهد جديد، ونحن نفترض أن ما سبق إرث قديم لا دور للإدارة القادمة في صناعته، وعليه تصبح مواجهته وترشيق كبير لحجم الحكومة أولوية قصوى. ذلك ليس فقط لأنه أمر يستحيل استدامته من زاوية العجز عن تحمل تمدده وتكلفته، وإنما لوجود تعارض إلى حد التصادم بين عمل جهة وأخرى، ولأن جزءا كبيرا من بيروقراطية بيئة العمل العقيمة ناتج عن ضرورة الحصول على موافقات لا حصر لها من تلك الجهات، ولأن إدارتها ورقابتها ومتابعتها كلها مهمة مستحيلة.

نشعر بأن الكويت تمر بفترة تغيير نتمنى أن يكون جوهريا، فقطاع النفط والتعليم أولويتان قصويان سبق لنا الكتابة عنهما، واستحالة استمرار هذا الحجم الضخم للحكومة المرادف لضعف شديد في الإنتاجية، يجعل ترشيقها أولوية قصوى أيضاً، أما البديل فهو اتساع غير محتمل لخلل المالية العامة.

وبعض مؤشرات التغيير للعهد الجديد جاءت في الاتجاه الإيجابي، مثل محاربة الانتخابات الفرعية، وإحياء ملفات فساد كبرى تم طمسها، وإزالة التعديات على أملاك الدولة، وتلك قرارات لابد من دعمها، وهناك مؤشرات سلبية قد تفتح ثقبا واسعا ونازفا على المالية العامة، مثل بدء شراء الولاءات بإقرار بدلات ومكافآت، وهناك مؤشرات على قرارات حول انفصال عامل الكفاءة في تعيينات بوظائف قيادية ووفقا للجينات، ولابد من التحذير منها، ونتمنى أن يتفوق الأمل بالقرارات الإصلاحية على الألم من القرارات السلبية، فقد لا تملك الكويت سوى فرصة واحدة للإصلاح.