حرب الظل الداخلية في روسيا تحتدم
أسوأ ما قد يصيب الكرملين، تزامناً مع تسارع التراجع الاقتصادي وتصاعد الخسائر، هو خليط من ثلاثة تهديدات: الأول من أوكرانيا، والثاني من داخل روسيا، والثالث يستهدف النظام.
أكد اغتيال ابنة الأيديولوجي الإمبريالي الروسي المؤثر، ألكسندر دوغين، في موسكو على انعكاسات حرب الكرملين ضد أوكرانيا داخل روسيا، فسارع جهاز الأمن الفدرالي الروسي إلى لوم العملاء الأوكرانيين على هجوم موسكو، لكن قد يهدف هذا الاعتداء فعلياً إلى إخفاء وضعٍ أكثر خطورة على النظام.ثمة ثلاثة تفسيرات محتملة لاغتيال داريا دوغين، ويبدو أن هذه الاحتمالات كلها تؤجج الأزمة المحلية التي يواجهها الكرملين: هجوم أوكراني، أو توسّع حركة تمرد مسلّحة، أو نشوء صراع داخلي على السلطة، فقد أنكرت كييف أي تورط لها في تفجير موسكو، مع أن تُهَم جهاز الأمن الفدرالي تزيد مستوى الاحترام لقدرات القوات الأوكرانية الخاصة وترفع معنويات الأوكرانيين في وجه روسيا، كانت ابنة دوغين ناشطة في الحملة الدعائية الروسية على التلفزيون الرسمي، ولطالما دعمت قتل المدنيين الأوكرانيين، ويسهل اعتبارها من الجهات المستهدفة.ربما يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يُمهّد لتعبئة عسكرية واسعة من خلال لوم كييف، علماً أنه تجنب هذه الخطوة حتى الآن لأنها مرادفة للاعتراف بالفشل العسكري. بدأت موسكو تفتقر إلى المجندين الأقوياء تزامناً مع تصاعد الخسائر العسكرية، ومن المتوقع أن تؤثر التعبئة العامة على الاقتصاد وتفرض تحويل موارد إضافية لإنتاج الأسلحة.
يفضّل الكرملين أن يلوم عدواً خارجياً على تفجير موسكو بدل الاعتراف باحتمال نشوء حركة تمرّد داخلية أو صراع على السلطة، لأن كل واحد من هذين السيناريوهَين يجعل «السلطة العمودية» المعروفة بمتانتها عرضة للاضطرابات، فبعد وقتٍ قصير على اغتيال دوغين، أعلنت جماعة تسمّي نفسها «الجيش الجمهوري الوطني» مسؤوليتها عن الهجوم، واعترفت بأن العملية كانت جزءاً من حملة متواصلة لإسقاط نظام بوتين.يُعتبر التفجير الأخير من أسوأ الحوادث حتى اليوم، علماً أن حرب الظل كانت قد احتدمت داخل روسيا خلال الأسابيع الأخيرة وسُجّلت عشرات حالات التخريب والحرق المتعمد في مناطق متنوعة. قامت القوات الأوكرانية الخاصة بتفجير مستودعات الأسلحة والوقود بالقرب من الحدود الأوكرانية، لكن يبدو أن الضربات التي استهدفت مكاتب التجنيد العسكري في المناطق البعيدة، وعمليات إخراج القطارات العسكرية عن مسارها، وأعمال تخريبية أخرى، هي من صنع حركة مقاومة داخلية متوسّعة. يتعلق تفسير ثالث لهجوم موسكو باحتدام الصراع على السلطة بين النُخَب السياسية والاقتصادية في روسيا، فربما أراد أتباع بوتين في الأوساط الأمنية توجيه رسالة إلى ناشطين مثل دوغين للحفاظ على ولائهم تجاه الكرملين بدل انتقاد مسار الحرب، وقد تصبح المعارضة داخل النُخَب أكثر انقساماً بين مؤيدي استعمال القوة الذين يريدون خوض حرب شاملة ضد أوكرانيا، والجماعات التي تحاول تخفيف الأعمال العدائية وإيجاد تسوية مع كييف لتقليص العقوبات الدولية وكبح التراجع الاقتصادي، وقد يكون هذا الاغتيال أيضاً رسالة من بوتين إلى جميع الفئات الأخرى لثنيها عن معارضة سياسة الكرملين صراحةً أو مواجهة حملات تطهير عنيفة.لكن بغض النظر عن الدوافع والمذنبين الحقيقيين، من الواضح أن اغتيال دوغين تجاوز خطاً أحمر في روسيا، فمنذ بدء الحرب، حاول النظام الاستخفاف بأثر «عمليته العسكرية الخاصة» على اقتصاد البلد والمجتمع الروسي، لكن يدرك المواطنون اليوم أن موسكو بحد ذاتها ليست محصّنة ضد التفجيرات، لذا بدأت الشكوك ومشاعر الخوف تتصاعد ويسهل أن تصبح حملة الكرملين الدعائية فارغة المضمون، كذلك، قد تعطي محاولات إعلان التعبئة العامة لتوسيع نطاق الحرب أثراً معاكساً، فتؤجّج المقاومة ضد النظام، وأسوأ ما قد يصيب الكرملين، تزامناً مع تسارع التراجع الاقتصادي وتصاعد الخسائر، هو خليط من ثلاثة تهديدات: الأول من أوكرانيا، والثاني من داخل روسيا، والثالث يستهدف النظام.*يانوش بوغاجسكي