أكد نائب الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني - الكويت سليمان المرزوق أن «الوطني يواصل التركيز على مواصلة النمو، ويعتمد في تحقيق ذلك على استراتيجية راسخة ترتكز إلى اعتماده على الأنشطة المصرفية الرئيسية وتنويع الإيرادات قطاعيا وجغرافيا، والاستثمار بكثافة في التحول الرقمي لعملياتنا ومنتجاتنا، الأمر الذي يحد من المخاطر ويعظم الاستفادة من الفرص».

وقال المرزوق، في مقابلة مع مجلة ميد العالمية، إن توقعات الدخول في ركود اقتصادي عالميا تمثل أحد أبرز التحديات التي تهدد البيئة التشغيلية، بعد تحذير صندوق النقد الدولي مؤخرا من خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2 في المئة عام 2022 مقارنة بنمو 6.1 في المئة العام الماضي، ما قد يؤدي إلى تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض الأسعار.

Ad

وشدد على أنه وفي ظل اعتماد الاقتصاد الكويتي وأغلب اقتصادات المنطقة على النفط، الذي يمثل 90 في المئة من إيرادات الحكومة الكويتية، يتسبب تراجع الأسعار في مزيد من التحديات أبرزها ضعف الوضع المالي للحكومة، وزيادة عجز الموازنة والتهديد بتباطؤ وتيرة ترسية المشروعات، التي تمثل المحرك الأساسي لأنشطة الأعمال في الاقتصاد الكويتي،

تحديات التضخم

وأشار المرزوق إلى أن ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات قياسية بالولايات المتحدة، بعدما ارتفعت لأعلى مستوى في 40 عاما، كما اقتربت في الكويت من أعلى مستوياتها التاريخية عند 4.5 في المئة قد يحد من الانفاق الاستهلاكي، ويزيد الضغوط على أداء الخدمات المصرفية للأفراد بشكل مباشر والخدمات المصرفية للشركات بشكل غير مباشر، مبينا أن تذبذب أداء الأسواق المالية نتيجة حساسيتها الشديدة للمتغيرات الاقتصادية يشكل تحديا إضافيا بما يفرضه ذلك التذبذب من تحديات ومخاطر على إدارة الثروات والخدمات المصرفية الخاصة لدى بنوك المنطقة.

وأضاف أنه وعلى الجانب الآخر فإن نفس الاضطرابات قد تحمل فرصا يمكن للبنوك الأكثر استعدادا الاستفادة منها، حيث ساهمت التوترات الجيوسياسية، وخاصة الغزو الروسي لأوكرانيا، في ارتفاع أسعار النفط، ما ساهم في تعزيز الوضع المالي للحكومة، وشجع على زيادة الإنفاق الاستثماري، حيث تمت ترسية مشروعات بقيمة 1.5 مليار دينار في الكويت خلال عام 2021، ما يتيح العديد من فرص النمو في مجال إقراض الشركات وقطاع الأعمال، وكذلك اتجهت البنوك المركزية إلى إطلاق دورة تشديد نقدي، ورفع الفائدة للحد من تسارع وتيرة التضخم، ما يتيح فرصا لزيادة صافي إيرادات الفوائد لدى البنوك.

وبين أن تلك الاضطرابات تسببت في تغييرات بمجال إدارة الثروات من تحول العملاء إلى الاستثمارات البديلة، وتغير بعض مسارات تدفق رؤوس الأموال عالميا، ما قد يحمل بعض الفرص التي استعد لها «الوطني»، لافتا إلى أن «البنك أطلق في 2021 منصة إدارة الثروات العالمية التي تجمع تحت مظلة واحدة الأعمال المصرفية الخاصة وإدارة الأصول، بهدف زيادة حصتنا السوقية وقيمة الأصول التي تديرها المجموعة والبالغة قيمتها 17.7 مليار دولار، وكذلك توسيع قاعدة عملائنا في الكويت وباقي أسواق المنطقة خاصة السعودية».

وأشار إلى أن البنوك التي تتمتع بعلامة تجارية قوية ورائدة تحوز ثقة العملاء، مثل «الوطني»، وتستفيد من توجه العملاء والمستثمرين إلى المؤسسات الرائدة في ظل حالة عدم اليقين التي تسود في وقت الأزمات والاضطرابات، وهو ما تأكد تاريخيا، حيث دائما ما يخرج «الوطني» من الأزمة تلو الأخرى أكثر قوة وقدرة على مواصلة النمو.

سياسات متحفظة

وحول أداء القطاع المصرفي الكويتي من حيث الربحية وجودة القروض مقارنة بما قبل الوباء أكد المرزوق أن البنوك الكويتية بإشراف وتوجيه من بنك الكويت المركزي طبقت سياسات متحفظة في إدارة المخاطر والاعتماد على الأنشطة المصرفية الرئيسية، ما أدى إلى تمتعها بمعدلات تفوق باقي بنوك المنطقة على مستوى كفاية رأس المال، والسيولة، وجودة الأصول ليدخل القطاع المصرفي الجائحة أكثر استعدادا من غيره.

وأشار إلى أنه وعلى صعيد جودة الأصول، فقد بلغت نسبة القروض غير المنتظمة لدى البنوك الكويتية 1.4 في المئة بنهاية عام 2021 لتسجل بذلك أدنى مستوى تاريخيا لها، مقارنة ببلوغها 2 في المئة عام 2020، ما يعكس قوة النشاط الاقتصادي وحصافة البنوك في تطبيق الشروط والأحكام المتعلقة بتقديم التمويل، أما على صعيد الملاءة المالية فقد بلغ معدل كفاية رأس المال 19.2 في المئة بنهاية 2021، وهو الأعلى منذ تطبيق تعليمات بازل 3، متفوقا بفارق كبير عن المتطلبات الدولية البالغة 10.5 في المئة.

وأفاد بأن مؤشرات السيولة لدى القطاع المصرفي الكويتي بنهاية 2021 تعكس التدفق المنتظم والمتواصل للسيولة، حيث بلغ معيار تغطية السيولة 183 في المئة لعام 2021، كما بلغ معيار صافي التمويل المستقر 111 في المئة، وكلاهما أعلى من الحد الأدنى المطلوب البالغ 100 في المئة، مضيفا أن تلك المؤشرات القوية انعكست على صلابة المركز المالي وجودة الأصول على مستويات الربحية، بعدما اقتربت أرباح البنوك الكويتية السنوية عام 2021 من مستوياتها قبل الجائحة، حيث بلغت 961 مليون دينار، وساهم ذلك في انخفاض تكلفة المخاطر بعد رفع القيود المتعلقة بمكافحة الجائحة في نمو ربحية البنوك بشكل رئيسي، حيث استفادت من تراكم المخصصات على مدار سنوات قبل الأزمة.

بيئة داعمة

وشدد المرزوق على أن البنوك الكويتية كانت الأكثر استعدادا للجائحة على صعيد تقديم الخدمات الرقمية وحلول الدفع المتطورة بفضل البيئة التنظيمية الداعمة ومواكبة التحول الرقمي للمجتمع الكويتي، وانعكس ذلك على تقديم كل الخدمات والمنتجات المصرفية بكفاءة خلال عمليات الإغلاق.

وأكد أن «الوطني» قدم نموذجا لكيفية الاستفادة من استباقية التحول الرقمي، حيث استحوذت القنوات الرقمية على 98 في المئة من إجمالي المعاملات المصرفية خلال عام 2021.

مستقبل الخدمات المصرفية

وحول الدور الذي يجب أن يلعبه التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية في تحسين مرونة المؤسسات، قال المرزوق: «لدينا مثال ليس ببعيد، فلقد رأينا كيف آتت استثماراتنا ومسار خارطتنا الرقمية خلال سنوات طويلة، ثمارها خلال أزمة بحجم جائحة كورونا، حيث لعبت قنوات البنك الرقمية دورا محوريا في خدمة عملائنا، وشهدنا زيادة قياسية في حجم معاملاتنا الإلكترونية»، ويواصل البنك الاستثمار وبقوة في مستقبل الخدمات المصرفية لتبسيط عملياتنا في كل أسواقنا الاستراتيجية الرئيسية وفي القطاعات المختلفة وبناء تجربة مصرفية رقمية من الجيل التالي، إضافة إلى تحسين كفاءتنا التشغيلية.

وأكد أن «البنك يعمل وبشكل دائم على الارتقاء بقنواته الرقمية المختلفة، مع الحرص على إدخال التحسينات المستمرة للرحلة الرقمية لعملائنا بصفة منتظمة، إلى جانب توسيع نطاق الخدمات التي يقدمها رقميا، خاصة من خلال الوطني عبر الموبايل، مع الاستفادة من تحليل البيانات وإدخال تقنية الروبوتات في الكثير من الخدمات التي نقدمها، إلى جانب التعلم الآلي لتحسين كفاءتنا التشغيلية، وتقديم تجربة شخصية مميزة لتلبية الاحتياجات المصرفية لعملائنا».

وشدد على أنه وعند تطوير أجندة البنك الرقمية، كان أحد الأهداف الرئيسية هو مواءمة الاستثمارات التقنية وخارطة الطريق الرقمية مع استراتيجية المجموعة لتوحيد المعايير حتى في الفروع الخارجية، لأن توحيد وترشيد وتبسيط مجموعة تطبيقات تكنولوجيا المعلومات داخل البنك يسمح بمزيد من التحسين على صعيد دمج التكلفة وخلق مجال لبيع المنتجات والخدمات على مستوى فروع شبكة البنك، مضيفا أن البنك قام بتأسيس المكتب الرقمي للمجموعة للقيام بدور المنسق الرئيسي للتحول الرقمي في المجموعة، فضلا عن مسؤوليته عن زيادة محفظة المنتجات والخدمات المبتكرة من خلال عقد الشراكات مع شركات التقنية المالية.

وذكر أن «بنك وياي، الذي تم إطلاقه خلال العام الماضي في الكويت، سيكون بمنزلة منصة للوصول إلى أسواق جديدة في شبكتنا، كما سينصب التركيز على الأسواق التي نرى فيها فرصا للنمو، والتي ستزيد الخدمات الرقمية من نمونا وحصتنا السوقية فيها ووصولنا للقطاعات المستهدفة»، مبينا أنه «تم دمج الأجندة الرقمية في استراتيجية البنك وبالتالي فإن هناك التزاما بإنجازها، وما نقوم به هو تغيير الثقافة والعقلية على مستوى المجموعة كلها وهذا التوجه يؤتي ثماره».

وعلى صعيد توجهات الاستراتيجية، أكد أنها تتمحور حول أن يصبح «الوطني» البنك الرائد رقميا في الكويت وعلى مستوى المنطقة، وبناء تجربة مصرفية رقمية من الجيل الجديد، والعمل كبنك رقمي مع جميع الموظفين، كما سيواصل العمل من أجل إنشاء ثقافة رقمية أكثر مرونة وتجريبية وتحملا للمخاطر وأكثر تعاونية، بالتوازي مع ذلك، يتم إدخال مهارات وقدرات جديدة في البنك، من خلال توظيف مواهب متنوعة وتطوير مواهب أخرى داخليا باستخدام أفضل برامج وتقنيات التدريب.

وأوضح أنه لابد للبنوك أن تعمل باستمرار على تعديل نماذج الأعمال لكل من عمليات المكاتب الأمامية والخلفية، لمواكبة الأوقات المتغيرة، واستباق الاضطرابات المستقبلية المحتملة، حيث يشكل الاعتماد على أحدث التقنيات، بما في ذلك البلوك تشين والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء، أساس الخدمات المصرفية الرقمية الحقيقية والتحول الكامل.

الاستثمارات المجتمعية

وحول أبرز مبادرات الاستدامة التي ينتهجها البنك، ذكر المرزوق أن «حجم الاستثمارات المجتمعية للبنك كنسبة من الأرباح قبل استقطاع الضرائب بلغت 4.3 في المئة في 2021، وهذا يؤكد الحرص على مواصلة الالتزام بمسيرة الاستدامة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تحسين أدائنا وتعزيز البصمة الإيجابية التي نتركها في المجتمعات التي نعمل بها».

وأضاف أن «الوطني يعد أكبر مساهم بين مؤسسات القطاع الخاص الكويتي في تحقيق التنمية المجتمعية، وقد بلغت استثماراتنا خلال العشرين سنة الماضية في مجال المسؤولية الاجتماعية 200 مليون دينار»، مشيرا إلى أن «الاستدامة أصبحت تشكل جزءا لا يتجزأ من ثقافة البنك، ففي عام 2021 بدأنا العمل على استراتيجية واسعة للمجموعة تركز على دمج معايير ESG في عملية صنع القرار داخل البنك، كما وضعنا إطارا عاما للتمويل المستدام».

وأوضح أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على مكانة ريادية في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والتمويل المستدام على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، كما تستهدف دعم الانتقال المستدام إلى اقتصاد منخفض الكربون، وترك بصمة إيجابية على الأفراد وكل قطاعات المجتمع، مضيفا أن البنك عزز في الربع الثاني من العام التزامه بتمكين مستقبل أكثر استدامة، من خلال الإعلان عن أهداف لخفض الانبعاثات التشغيلية بنسبة 25 في المئة بحلول 2025، وتسريع الخطى الرامية إلى تحويل شبكة فروع البنك لتكون صديقة للبيئة، والاعتماد بشكل أكبر على الطاقة المتجددة لتقليص حجم الانبعاث الكربوني.

وأردف: «تشهد إنجازاتنا خلال عامي 2020 و2021 في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية على جهد جماعي هائل لتسليط الضوء على القضايا البيئية والاجتماعية والمؤسسية ودمجها في صميم أنشطة البنك، حيث تم انتخاب أول سيدة للانضمام إلى أعضاء مجلس الإدارة، كما بلغت نسبة الموظفات من الإناث في القوى العاملة نحو 45 في المئة، وواصلنا الالتزام بمبادئ تمكين المرأة التابعة للأمم المتحدة، إلى جانب بلوغ معدل توطين الوظائف 74.6 في المئة بنهاية 2021».

واستطرد: «أيضا وضمن مسؤوليتنا المجتمعية واصلنا رعاية برنامج تمكن لتدريب الخريجين، وبلغت نسبة مشترياتنا المحلية 71 في المئة، أي ما يوازي 84 في المئة من نفقاتنا. وعلى صعيد حماية البيئة حصدنا شهادة الفئة الذهبية للريادة في تطبيق أنظمة الطاقة وحماية البيئة LEED Gold، كما أدرجت مؤسسة Refinitiv العالمية البنك ضمن مكونات مؤشرها الانتقائي الجديد للشركات منخفضة انبعاثات الكربون بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا».