الفساد السياسي في لبنان ينخر في مؤسسات الدولة حتى العظم، ووصل إلى قاع المجتمع، بحيث أصبح مستشرياً في معظم الأمكنة بما فيها محلات البقالة، زعماء الطوائف هم رأس الفساد، أوضح مثال ما حصل في وزارة الطاقة «مياه وكهرباء»، فقد استحوذ عليها منذ تولي حقيبتها في الثمانينيات «دولة الرئيس» وزعيم حركة أمل وأصبحت من حصة الطائفة الشيعية إلى أن انتقلت إلى «صهر الرئيس» وحامي حقوق المسيحيين بعد اتفاق الدوحة. المهم تحولت هذه الوزارة إلى أكبر بؤرة فساد وبالوعة للديون والقروض من أجل توفير الكهرباء والمياه للبنان، فهي على حد تعبير خبير المياه الجوفية، الدكتور سمير زعاطيطي «طابخ مشاريع الفساد الكبرى في لبنان» ومكاتب الدراسات الملحقة والتابعة والجاهزة «غب الطلب»، وهذه المكاتب ليس فيها خبير جيولوجي لبناني واحد يعمل على الأرض. «أبو السدود» وصاحب مشروع إنشاء 28 سداً هو «زعيم التيار الوطني الحر» وصهر الرئيس المنتهية ولايته بعد أيام، خاض معاركه السياسية تحت هذا الشعار. فماذا فعل؟ بحسب رأي خبراء المياه المحايدين والمستقلين ومنهم الدكتور «زعاطيطي» أن هذه السدود أُنشئت دون وجود دراسات علمية مستقلة تتمتع بالمصداقية، وبالتالي من يطالع حال السدود المقامة سيذهل من حجم الكارثة والفضيحة التي آلت إليها، وبخلاف «سد شبروح» الذي تبناه الرئيس أميل لحود في آخر عهده، وهو في نهاية المطاف «سد سياسي» لا مائي، بمعنى أن الـ5 ملايين متر مكعب بلغت كلفتها تقريباً 100 مليون دولار، وهي الكمية المستغلة من المياه في السد، في حين أنه بالإمكان حفر بئر ارتوازية أو أكثر وبكلفة لا تتعدى 100 ألف دولار، وهذا يعطي فكرة عن حجم الهدر بالمال ودفع الرشا والتنفيعات، وقس على ذلك باقي السدود التي وقف وراءها واستمات من أجلها «صهر الرئيس» وهي على الشكل التالي: «سد حنّة» توقف فيه الحفر بالقاعدة التي امتلأت بالمياه، ويشكو من عدم توافر المال، «سد بريصا» والمقام في منطقة «سير الضنية» منذ عام 2003 ليس فيه نقطة ماء واحدة، «سد المسيلحة» تسربت مياهه بالبواليع تحت القلعة وهو يعاني فراغا «بالكسر الأرضي» كما يصفه خبراء المياه، «سد بقعاته كنعان» جرى تزفيته لمنع التسريب ومتوقف عن العمل لعدم وجود المياه.
مشاريع السدود لم يستفد منها اللبنانيون والأموال الموجودة في ميزانية الوزارة تصرف على المنتفعين والمكاتب الوهمية وغيرهم، هكذا كانت حال وزارة الطاقة منذ الثمانينيات وإلى اليوم، مزيد من الهدر، سوء إدارة، تنفيعات وحصص سياسية للطوائف وبالمداورة. تخيلوا معي أن هذه السدود التي رعاها «صهر الرئيس» وضعها ضمن «الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه» فهي تحمل توقيعه «الأوحد» دون إشراك أي جهات علمية وبيئية مستقلة وذات مصداقية. لبنان بلد المياه في الشرق الأوسط تتحول فيه السدود إلى «صحارى قاحلة»، ولديه بشهادة تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي فائض من المياه كحال تركيا، يترك هذه الثروة من المياه الجوفية تنساب إلى الجليل الأسفل الفلسطيني، أي إلى إسرائيل دون أن يأخذ حقه الأصيل والسيادي منه! كيف يستقيم الحديث عن إدارة للمياه عندما تسمع إحدى خبيرات المياه د. سلمى كلاَّب في ندوة لها في نقابة المهندسين تقول، تم صرف مليارين من الدولارات على قطاع المياه من التسعينيات والبلد عطش، خصوصاً أن مدينة بيروت تعتبر «قصراً للمياه» فهناك غنى حقيقي، لكن بيروت لا تستفيد أكثر من 15% من كمية المياه المتوافرة. اطلعت على ندوة نقابة المهندسين وكانت تحت عنوان «بيروت عطشى، كيف نرويها»؟ وفيها حقائق تدحض كل الأكاذيب والتضليل الذي يتم الترويج له، ففي محيطها مخزون من المياه الجوفية يكفي لسكان بيروت الكبرى، وهو حل واقعي وعملي لكنه ليس باباً للتنفيع والسرقات والرشا. كان السؤال، هل باستطاعة هذا «العهد الحجري» أن يقدم إنجازاً يذكر؟ الإجابة على أرض الواقع، وإن كانت هناك حلول موجودة تمكن هذا البلد من تجاوز الأزمة التي يعيشها، إذا توافرت الإرادة والقرار السياسي وتوقفت «المحاصصة الطائفية» وأشكال الفساد المخيفة. رحم الله إبراهيم عبدالعال، أبو مشروع نهر الليطاني، عندما قال «جبالنا مخازن حقيقية للمياه».
مقالات
لبنان ثروته في المياه لا في الغاز
29-08-2022