عندما ردّت الصين على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان عبر إطلاق أكبر تحركات عسكرية منذ 26 سنة، انتقد «الكومينتانغ»، أبرز حزب معارِض في تايوان، بكين على قرارها باستعراض قوتها. أصدر الحزب سلسلة من البيانات عبر موقعه الرسمي على «تويتر»، فحذر من أن تسيء تلك التدريبات إلى العلاقات العابرة للمضيق وتزعزع استقرار المنطقة، ودعا «العالم المتحضر كله» إلى شجب «الأعمال العدائية». تتّسم هذه الانتقادات بنبرة لاذعة لم تحملها مواقف حزب «الكومينتانغ» إلا في حالات نادرة، إذ لطالما كان هذا الحزب أكثر ولاءً للصين منذ التسعينيات. وفي بيان صحافي آخر، أعلنت لجنة الثقافة والاتصالات في حزب «الكومينتانغ» أن جمهورية الصين (تايوان) هي «أمة سيّدة ومستقلة»: غالباً ما تُستعمَل هذه العبارة كنداء لحشد الناس من جانب «الحزب الديموقراطي التقدمي» الذي يميل إلى دعم استقلال الجزيرة وتقوده الرئيسة تساي إنغ ون. لكن هل تشير هذه المواقف إلى تحوّل في سياسة حزب «الكومينتانغ» تجاه بكين؟ لا يظن يه تشونغ لو، رئيس قسم الدبلوماسية في جامعة «تشنغ تشي» الوطنية، أن الوضع كذلك، لكن يستمر نقاش مهم على ما يبدو بين الحرس القديم والحرس الجديد، ويوضح لو: «يتعلق هذا النقاش بتحديد مستوى التواصل المناسب مع الصين وأهم المبادئ المسموحة والممنوعة». في السنوات الأخيرة، لم تُسهّل السلطات الصينية الوضع على الحزب الأقرب إليها في أنحاء المضيق، فقد كان إقدام الحزب الشيوعي الصيني على قمع الحركة الداعمة للديموقراطية في هونغ كونغ عاملاً مؤثراً على فوز تساي الساحق في عام 2020، ويجد حزب «الكومينتانغ» صعوبة في إطلاق المبادرات مع ناخبين يزدادون قلقاً من توثيق الروابط الاقتصادية والسياسية مع جارتهم الاستبدادية.يملك «الكومينتانغ» 39 مقعداً من أصل 113 في مجلس اليوان التشريعي، ويفوق عدد القضاة ورؤساء البلديات المحسوبين عليه في المقاطعات المسؤولين التابعين للحزب الديموقراطي التقدمي، ومع ذلك يجد هذا الحزب صعوبة في حصد أكثر من 20% من دعم الشعب منذ الانتخابات الأخيرة، ويكشف استطلاع أجرته مؤسسة الرأي العام التايوانية في يوليو أن 14.9% من التايوانيين فقط يدعمون «الكومينتانغ» في الوقت الراهن، مما يجعله في منافسة مباشرة مع «حزب تايوان الشعبي» الناشئ بقيادة كو وين جي، وفي المقابل، يحصد «الحزب الديموقراطي التقدمي» نسبة تأييد مرتفعة تصل إلى 34.2% من دعم الناخبين. وفي حين تتطلع تايوان إلى الانتخابات المحلية في 26 نوفمبر، تتعدد الفرص التي تسمح لحزب «الكومينتانغ» بتحقيق المكاسب، لكن يرتفع في الوقت نفسه احتمال أن يصطدم الحزب بالرأي العام خلال الأشهر الحساسة المقبلة، ويتعلق أحد الأسباب مثلاً ببعثة «تقصي الحقائق» التي أطلقها نائب رئيس حزب «الكومينتانغ»، أندرو هسيا، في جنوب الصين بعد أسبوع على التدريبات الصينية بالذخائر الحية بالقرب من تايوان، فقد أعلنت تلك البعثة أن هدفها الأساسي يتعلق بدراسة وضع المغتربين التايوانيين هناك ومنحهم المساعدات. قوبلت زيارة هسيا بانتقادات لاذعة من جانب «الحزب الديموقراطي التقدمي» وبعض المسؤولين في حزب «الكومينتانغ» أيضاً، وتراوحت تلك الانتقادات بين التشكيك بتوقيت تلك المهمة واتهامه بالتواطؤ مع العدو. نظراً إلى تراجع المدة بين التدريبات العسكرية الصينية، والحملة الدعائية التي تدعو إلى توحيد البلدين، واقتراب موعد الانتخابات المحلية المقبلة، يظن يه تشونغ لو أن حزب «الكومينتانغ» سيجد صعوبة كبرى في إحداث أي تعديلات مؤثرة، مع أنه يعتبر هذه الخطوة ضرورية ليفوز هذا الحزب في أي انتخابات وطنية مستقبلاً.
* ميكا مكارتني
مقالات
«الكومينتانغ» التايواني بين المطرقة والسندان
29-08-2022