دخل التيار الصدري الذي يقود منذ شهر، احتجاجات لتغيير النظام في العراق، مرحلة أكثر جدية، بعد أن نقل المواجهة مباشرة إلى بوابات المحكمة العليا مطالباً باستقالة رئيس القضاة، في وقت ذكر مقربون من زعيم التيار مقتدى الصدر، أنه بدأ فعلياً يتعاون مع شركاء كبار من داخل مؤسسات الدولة، يؤمنون بالتغيير الشامل الذي يتحدث عنه بوصفه «ثورة لا رجعة عنها».وانتقلت المواجهة لأول مرة إلى مرحلة الخطر، حيث شهدت محافظة ميسان تنفيذ مذكرة اعتقال ضد أنصار التيار، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الاحتجاجات، قبل أن يطلق سراح الناشط الصدري لاحقاً تحت ضغط احتجاجات واسعة.
وفي حين أصدرت محكمة عليا في بغداد مذكرتي اعتقال بحق رجلَي دين مقربَين إلى الصدر، في تأكيد للمواجهة العلنية بين الطرفين، كرر مساعد الصدر أمس أن رئيس القضاء فائق زيدان، هو داعم علني لـ «أذرع طهران» في السياسة العراقية. ولا يكاد خصوم الصدر يصدقون أنه جاد في تغيير النظام، ويعتقدون أنه محبط فقط من خصومه، في «الإطار التنسيقي» المتحالف مع طهران، الذين منعوه من تشكيل «حكومة أغلبية وطنية»، إلا أن تحركه الأخير نحو رئيس القضاء يكشف إلغاء جميع الخطوط الحمراء في مواجهة تثير القلق الحزبي على نطاق واسع.وانزعج الصدر من محاولة خصومه تصويره على شكل فوضوي وشعبوي يخرق الشرعية، وكتب مساعده، الشيخ صباح الساعدي، ما هو بمنزلة توضيح، يفيد بأن «الثورة الشعبية يجب أن تعمل مع شريك من داخل مؤسسات الدولة يؤمن بالتغيير الشامل»، في إشارة إلى مؤسسات حساسة مثل القوات المسلحة والقضاء، وحكومة مصطفى الكاظمي التي يعدها الصدريون حليفة لهم.ولزمت معظم القوى المدنية والعلمانية، الصمت طوال شهر من احتجاجات الصدريين، مبررة ذلك بأنها مواجهة داخل «بيت الأحزاب القديمة»، لكن تصعيد الصدر بالمطالبة باستقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، أخرج المدنيين عن صمتهم وجعلهم يصدرون حزمة بيانات تنتقد الجهاز القضائي، وتكشف عن تقارب مع مواقف المحتجين. واستغرب كثيرون أن يسارع القضاء إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد مساعدي الصدر، في تحدٍّ لأقوى تيار شعبي، عُرِف عنه اللجوء للأساليب المفاجئة في إدارة الصراع.
وقال مسؤول رفيع لـ «الجريدة» إن رئيس القضاة أراد التهدئة مع الصدر، لكن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يستخدم نفوذه في المحاكم لاستفزاز الصدر، ودفعه إلى مناورات متسرعة.وسبق لخبير أميركي بارز أن تحدث عن تجسس قامت به واشنطن على اجتماعات المالكي مع قضاة بارزين، للاتفاق على ما اسماه «انقلاباً ضد أغلبية الصدر النيابية»، وهو ما دفع رجل الدين الشيعي البارز إلى سحب كتلته من البرلمان حيث قدم ٧٣ نائباً استقالاتهم، في حادثة نادرة، كانت بداية لعودة الصدر إلى الشارع ودعوته إلى تغيير عميق يلامس حافة تغيير النظام وتعديل الدستور، ومعالجة فوضى سياسية تضرب البلاد طوال أعوام.