لا مبالاة بايدن سهّلت سيطرة إيران على العراق

نشر في 30-08-2022
آخر تحديث 30-08-2022 | 00:00
 فوراين بوليسي منذ ستة أسابيع، تفاخر الرئيس الأميركي جو بايدن، في صحيفة «واشنطن بوست»، بتحوّل الشرق الأوسط إلى مساحة «أكثر استقراراً وأماناً» مما كان عليه حين تسلم هذه المنطقة من سلفه دونالد ترامب، وعدّد بايدن بعض الأمثلة، بما في ذلك العراق، حيث تراجعت الاعتداءات الصاروخية ضد القوات الأميركية والدبلوماسيين الأميركيين. قد يكون الرئيس محقاً حول تراجع استهداف الأميركيين، لكن لن يكون هذا المعيار وحده كافياً للتأكيد على استقرار المنطقة، فعلى جميع المستويات الأخرى، أصبح العراق أقل استقراراً اليوم مما كان عليه في يناير 2021، وتواجه المصالح الأميركية هناك تهديدات متزايدة.

ما حصل في الفترة الأخيرة يعكس تحولاً ملحوظاً في الأحداث، فمنذ عشرة أشهر فقط، بدا وكأن العراق يتجه إلى تشكيل حكومة ملتزمة بتقليص الدور المدمّر للميليشيات المدعومة من إيران وترسيخ سيادة البلد ضد جارته الكبرى، لكن يملك الحلفاء السياسيون لإيران في العراق النفوذ الأكبر اليوم، وقد أصبحت الديموقراطية الهشة أصلاً مُهددة أكثر من أي وقت مضى هناك، وباتت أعمال العنف ممكنة بين الجماعات الشيعية أيضاً، للمرة الأولى منذ عشر سنوات.

لم يكن هذا الوضع حتمياً بأي شكل، فقد كان مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي الشعبوي، الفائز الأكبر في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي، وقد دعا خلال حملته الانتخابية إلى تحرير العراق من سطوة واشنطن وطهران، وحصد تحالف الصدر 329 مقعداً في مجلس النواب، وهزم الأحزاب الإسلامية الشيعية المدعومة من إيران.

اليوم، لم يعد أتباع الصدر جزءاً من السلطة التشريعية، لكنهم يتابعون التخييم خارج «المنطقة الدولية»، قبالة البرلمان، لمنع انتخاب محمد شياع السوداني كرئيس للحكومة، وفي غضون ذلك، يدعو الصدر إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بموجب قانون انتخابي مُعدّل، لكن يعارض ائتلاف «الإطار التنسيقي» المدعوم من إيران هذه المطالب. مع استمرار المأزق السياسي، بدأ التوتر يتصاعد بين شيعة العراق، وبغض النظر عن طريقة حل المشكلة، ستترسخ مكانة إيران في بغداد على الأرجح، فتتصدى بذلك لإرادة الناخبين العراقيين الذين صوتوا في معظمهم للتغيير في أكتوبر الماضي.

ما كانت واشنطن لتمنع هذه النتيجة في مطلق الأحوال، ولا تُركّز الولايات المتحدة عموماً على نتائج الانتخابات في البلدان الخارجية، بل تفضّل دعم المؤسسات، لكن لا يمكن اعتبار العراق حالة نموذجية، لأن الديموقراطية الناشئة هناك تعجز عن الصمود تحت ضغوط ذراع إيران الطويلة في العراق، أي ميليشيا «قوات الحشد الشعبي» المؤلفة من 100 ألف عنصر، فقد كانت الانتخابات العراقية ستُمهّد لإضعاف سطوة إيران في نهاية المطاف، لكن ترك الغياب الأميركي خلال مرحلة تشكيل الحكومة فراغاً سارعت طهران لملئه.

في غضون ذلك، زار قائد الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، وعدد من كبار المسؤولين الإيرانيين الآخرين، العراق عشر مرات على الأقل في الأشهر الأخيرة لتهديد شركائهم وخصومهم المحليين أو تملّقهم أو إقناعهم بطريقة تشكيل الحكومة المقبلة، وقد لا يكون عدد الزيارات المقياس الوحيد للمصالح الأميركية، لكن يكشف الفرق بين البلدين أن المقاربة الأميركية كانت متساهلة أكثر من اللزوم، ولم تفرض الإدارة الأميركية ضغوطاً دبلوماسية واقتصادية لحماية عملية تتعرّض للهجوم الإيراني.

تحمل هذه العوامل كلها أهمية كبرى لأن العراق يهمّ الولايات المتحدة ويؤثر في مصالحها في المنطقة، ولم يخسر آلاف الأميركيين حياتهم أو أطرافهم للمشاركة في بناء العراق بعد عهد صدام حسين فحسب، بل يبقى العراق شريكاً في مكافحة الإرهاب، على عكس أفغانستان، ويملك هذا البلد فرصة حقيقية للتحول إلى ديموقراطية متكاملة، كما يتمتع العراق بموقع جيوستراتيجي حيوي، ويملك خامس أكبر احتياطيات نفط في العالم، ويُعتبر في طليعة الأطراف التي تتصدى لجهود إيران الرامية إلى توسيع نفوذها في أنحاء الشرق الأوسط.

في ظل تباطؤ مساعي تجديد الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، زادت أهمية التصدي للتدخل الإيراني في بغداد بالنسبة إلى الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، فبعدما صوّت العراقيون بكل شجاعة لصالح الأحزاب التي تعارض الهيمنة الإيرانية، كان غياب إدارة بايدن عن عملية تشكيل الحكومة في المرحلة اللاحقة كافياً كي يسرق الملالي النصر من مخالب الهزيمة، ويبدو أن العراق الذي خاضت فيه الولايات المتحدة حربَين كبيرتَين في العقود الأخيرة لم يعد على رأس أولويات واشنطن، لكن يبقى هذا البلد من أولويات طهران للأسف.

*ديفيد شينكر

Foreign Policy

back to top