في ظل احتدام الحرب في أوكرانيا، بدأ استقرار بيلاروسيا، التي دعمت الغزو الروسي، يتزعزع، فهل فتحت حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذاً أبواب الجحيم على نظامٍ يُعد جناحاً بعيداً للكرملين؟ يجب أن نتذكر أولاً أن سفيتلانا تيخانوفسكايا كادت تهزم الرئيس ألكسندر لوكاشينكو خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في أغسطس 2020، وقد اعتبر أتباع الرئيس منافِسته مجرّد «ربة منزل» حينها، وعندما اتّضح أن تيخانوفسكايا بدأت تحصد دعماً واسعاً وتتجه إلى تحقيق الفوز، زوّر لوكاشينكو النتائج ومنح نفسه أكثر من 80% من الأصوات، فأجّج بذلك احتجاجات ضخمة دامت لأشهر.
على غرار أوكرانيا، تُعتبر بيلاروسيا مختلفة عن روسيا من الناحية الثقافية، ولهذا السبب، فاجأ سكان البلد العالم باحتجاجاتهم المتواصلة ومطالبتهم بالديموقراطية في عام 2020. تصرف سكان بيلاروسيا وكأنهم يعيشون في مجتمع معاصر وديموقراطي وليبرالي لأن جزءاً كبيراً من الشعب ينسب هذه الصفات لنفسه (مع أن الفئات الأكبر سناً تبقى متأثرة بروسيا ولوكاشينكو شخصياً).للتصدي لهذه المعارضة الواسعة، يجب أن يتكل لوكاشينكو على أسلوب القمع الوحشي طوال الوقت، فحُكِم على أكثر من ألف معتقل سياسي بالسجن لأكثر من عشر سنوات، وتعرّض 1500 آخرون للاعتقال بعد احتجاجهم على الحرب في أوكرانيا وتخريب سكك الحديد لإعاقة مسار الجيش الروسي، كذلك، واجه آخرون عقوبات فورية وغير رسمية فتعرّضوا مثلاً لإطلاق النار في الركبة.لكن لا يمكن مقارنة البيلاروس بالأوكرانيين وتوقّع نشوء النوع نفسه من المقاومة، فلا تشمل بيلاروسيا معارضين في البرلمان أو في الحكومات المحلية، كما كان الوضع في أوكرانيا قبل الغزو، كذلك، احتجّ البولنديون سلمياً ضد فرض الحُكم العرفي في ديسمبر 1981 لأن الاحتجاج كان الأداة الوحيدة لرفع الصوت.لكن قد تعطي تجربة بولندا لمحة عن الأحداث المرتقبة في بيلاروسيا، فحصل البولنديون على فرصة لنيل الاستقلال في عام 1989 لأنهم استفادوا من فترة عابرة من الاضطرابات داخل الكرملين، وعندما انهار الاتحاد السوفياتي أخيراً في عام 1991، استغلت أوكرانيا الفرصة ورسّخت سيادتها.قد تقدّم الحرب الروسية الفاشلة في أوكرانيا فرصة مماثلة لبيلاروسيا قريباً، فمنذ عام 2020، عبّر المجتمع البيلاروسي عن قِيَمه، وتعلّم فنون المقاومة الطويلة الأمد، وأنشأ وسائل إعلام حرّة تبث من الخارج، واليوم بدأ المعارضون البيلاروس، للمرة الأولى على الأرجح، يحصلون على الأسلحة وينضمون إلى القتال ضد بوتين في أوكرانيا، حيث باتوا معروفين بشجاعتهم ونجاحاتهم في ساحة المعركة.في الذكرى الثانية للاحتجاجات توصّلت جميع القوى السياسية إلى اتفاق وتشكّلت حكومة بيلاروسية في المنفى، برئاسة تيخانوفسكايا، وفي غضون ذلك، بدأ مجلس التنسيق الذي نشأ خلال الاحتجاجات منذ سنتين وشمل الفائزة بجائزة نوبل، سفيتلانا أليكسييفيتش، يتحول إلى بديل عن البرلمان.لكن يتعلق تغيير بارز هذه المرة بنشوء فرع مسلّح للحكومة في المنفى، وقد تسجّل فيه أكثر من 200 ألف بيلاروسي: هم مستعدون للانتفاض في وجه لوكاشينكو حين تسنح لهم الفرصة، حتى لو اضطروا لاستعمال القوة، وحتى الفترة الأخيرة لم يحصل الجنود والمسؤولون الحكوميون في بيلاروسيا على أي خيار بديل، لكنهم يستطيعون اليوم أن يختاروا بين الحكومة غير الشرعية في مينسك والحكومة الشرعية التي انتُخِبت بأغلبية الأصوات في عام 2020، بقيادة تيخانوفسكايا، وقد يقوم المعنيون بهذا الخيار حين تسنح لهم الفرصة، وربما يتحقق ذلك عندما يغرق الكرملين بالفوضى بسبب الإهانة التي تتعرّض لها روسيا في أوكرانيا.* سلومير سيراكوفسكي
مقالات
المعارضة تزداد قوة في بيلاروسيا
30-08-2022