كشفت المسيرة النيابية في الكويت التي استمرت ستة عقود عن عيوب ومثالب جعلتها تتقهقر دورة بعد أخرى، بعد أن وصل الأمر إلى اختطاف القرار الشعبي ومن ثم النيابي بسبب تفشي شراء الأصوات، وتأثير نواب الخدمات التي سهلتها لهم الحكومة لا غيرها على خيارات الناخب، وإقامة الفرعيات رغم تجريمها، حتى أن البعض اعتبر أن هذه المسيرة قد فشلت فشلاً ذريعاً.

فبسبب تقاعس واستسلام حكومي واضح، تمت عرقلة مشاريع تنموية مهمة جداً، وهوى التعليم إلى أسفل سافلين، والحريات الشخصية قلصت بعد أن فصّلت على مقاسات غير المقاسات الكويتية، ورغم كثرة الجهات الرقابية فإن الفساد استفحل، وأصبحت الرشوة والتزوير في كل شيء ظاهرة، حتى أنها غيرت ضمائر ووطنية البعض، فتحولت العملية الديموقراطية برمتها من وسيلة إصلاحية شريفة إلى أداة لخدمة متنفذين وحيتان استطاعوا بطريقة جهنمية وغير أخلاقية أن يفسدوا ويشتروا ويجندوا مجموعة خانت المصلحة العامة للكويت من أجل الدرهم والدينار. تكالب «بعض» المرشحين على الفوز بالمقعد النيابي لم يكن في أغلبه لدافع وطني إطلاقاً، ولكنه بسبب المميزات المالية والاجتماعية والوجاهة الاجتماعية، وبسبب ما شاهدوه من علامات الرفاهية والغنى المفاجئ على نواب دخلوا المجلس وهم على «الحديدة» وخرجوا وهم أصحاب ملايين.

Ad

هذه الثروة التي حصل عليها بعض النواب بطرق لا أخلاقية ولا قانونية فتحت شهية الكثيرين، فانتشرت بين البعض ظاهرة تحولت الى ثقافة الاستجداء القبيح والرخيص بحذف «العقل» والصراخ والعويل أمام جماعاتهم من أجل انتخابهم، وكانت النتيجة مزيداً من التدهور والفشل.

العهد الجديد بشر بخير، واتخذ خطوات إيجابية وجدية نتمنى أن يلتزم بها الجميع حتى يتم تعديل المسار المؤمل من مجلس أمة كويتي وطني نزيه، بعيد عن الصراعات والمهاترات والاستقطابات، ومحصن ضد حيتان الفساد، بضبط حسابات وأملاك كل مرشح قبل الانتخابات وبعد النجاح نصف سنوياً، وذلك من خلال لجنة محايدة نزيهة، مع وقف هدر أموال على رحلات ورواتب خيالية، ومنح مالية حكومية.

في دول أوروبية كثيرة وغنية، بل هي أغنى من الكويت بمراحل، يتم التعامل مع رجال السياسة المحنكين الحقيقيين بنهج خاص وهو التقشف، فالسويد مثلا تعتبر أن ما يؤديه سياسيوها من عمل ما هو إلا واجب عليهم، فلا مخصصات سخية، ولا مكافآت حكومية، تلزمهم قيود صارمة تحكم تصرفهم في أموال الشعب، ولكن لأعضاء البرلمان الحق بقبض معاش يبلغ 6900 دولار شهرياً، وأن يستعملوا المواصلات العامة مجاناً، فلا سيارات خاصة بسائقيها لتنقلاتهم، ويحظر البرلمان على أعضائه الاستعانة بمساعدين شخصيين أو مستشارين، ولكن هناك بدل مالي يستخدم لتمويل مجموعة من العاملين لمساعدة كل نواب البرلمان، فليس هناك جيش من السكرتارية ليس لهم عمل غير قبض الرواتب.

وفي مقابلة مع الـ «بي بي سي» قال النائب السويدي عن الحزب الديموقراطي الاجتماعي بير أرني هاكانسون: «إننا مواطنون عاديون، ولا معنى بأن يُمنح أعضاء البرلمان امتيازات خاصة، لأننا نمثل المواطنين والواقع الذي يعيشونه، لكن يمكننا أن نعتبر أن الامتياز الذي نحصل عليه هو القيام بهذه المهمة والحصول على فرصة صنع التأثير الإيجابي في توجهات الدولة».

فأين نوابنا من نوابهم، فإذا كان النائب يريد حقاً خدمة وطنه لا نفسه وجماعته، فليقبل براتبه الأصلي الذي كان يقبضه من وظيفته السابقة، ولتسحب جميع الامتيازات كالسيارات والجوازات الخاصة، والهبات الحكومية، وعندها سنرى عدد المرشحين قد تقلص إلى الحد العقلاني والمنطقي، فمن أراد خدمة بلده فالميدان مفتوح أمامه، وليتخذوا من نواب أوروبا مثلاً أعلى لهم، فهم يعيشون حياتهم من غير تغيير ومن دون أي مزايا عينية أو مادية، عندها لن تروا من يرمي بعقاله مستجدياً جماعته، أو من يتذلل و«يتلحوس» في الدواوين.

طلال عبد الكريم العرب