لم يسمح الخطاب المنتظر للسفير الصيني لدى أستراليا، تشاو تشي يان، قبل أيام، في نادي الصحافة الوطني في كانبيرا، بتحسين العلاقات المتوترة بين البلدين، بل إن تلك المناسبة ترافقت مع لحظات سلبية ولم تترك لأستراليا مجالاً لإعادة ضبط علاقاتها مع أكبر شريكة تجارية لها.هذه الأحداث دفعت البعض إلى التفكير بالهدف من مشاركة تشاو، ولم يكن ذلك الحدث بسيطاً بأي شكل، فقد كان تشاو أول مسؤول صيني يحضر إلى نادي الصحافة الوطني منذ 18 سنة، وكان هذا التحول سينذر بانفتاح مستجد على تحسين التواصل بين الطرفين.
لكن رغم تبادل الابتسامات والمواقف الإيجابية، بقيت تلك المناسبة فرصة ضائعة كونها لم تسمح بطرح رسالة جديدة وجاذبة، على افتراض أن المشاركة الصينية كانت تهدف إلى تحقيق هذا الهدف أصلاً، وعند التدقيق بما حصل، يتبيّن أن مبادرة المصالحة قد تنذر بتجديد التقارب بين الطرفين لكن بحسب شروط الصين.سُئِل تشاو عن التعليقات الصادمة التي أدلى بها السفير الصيني لدى فرنسا، في وقتٍ سابق من هذا الشهر، حين تكلم على الهواء مباشرةً عن احتمال أن تنشأ معسكرات إعادة تأهيل للسكان التايوانيين الذين يعارضون نظام الحُكم في بر الصين الرئيسي بعد غزو تايوان.أكد جواب تشاو على الطابع المتعمد الذي يحمله التهديد باعتقال المعارضين جماعياً بعد توحيد تايوان مع الصين مستقبلاً، إذ كان يسهل أن تتوقع السفارة تلقي أسئلة عن هذا الموضوع مسبقاً، فيتسنى لها أن تُصحّح الانطباع الذي أعطاه السفير الصيني في فرنسا، لكن جاء موقف تشاو ليرسّخ الفكرة نفسها.لم ينكر تشاو أي فكرة مهمة، مع أنه عدّل الكلمات التي استعملها، فتكلم عن احتمال إطلاق مسار يسمح للمقيمين في تايوان المحتلة بفهم أرضهم الأم بشكلٍ صحيح، ثم عاد وأنكر ضمناً حق التايوانيين في اختيار ما يريدونه في هذه المسألة.كانت مواقف الدبلوماسيَين الصينيَين حول تايوان متعمدة بحضور وسائل الإعلام، فهما يعرفان أن تعليقاتهما المتفجرة لا يمكن تجاهلها، حتى أن السفير الصيني في فرنسا عاد وأكد على الفكرة المتعلقة بالمعسكرات المحتملة في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي.كانت رسالة تشاو تتماشى مع كلام وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، ولو بنبرة أكثر سلاسة، فألمح إلى ضرورة أن تستسلم أستراليا أولاً قبل تحسين العلاقات الثنائية، حتى أنه عبّر ضمناً عن الحرب النفسية التي تمارسها الصين ضد تايوان في مواقفه، كذلك حاول تشاو أن يطمس الخطوط بين المواقف التي تتبناها معظم دول العالم تجاه تايوان، أي «سياسة الصين الواحدة» التي تختلف فعلياً عن «مبدأ الصين الواحدة» الذي يتكلم عنه الكثيرون.حملت تلك الرسالة على الأرجح أثراً تراكمياً لإطلاق حرب نفسية تضمن لفت أنظار وسائل الإعلام انطلاقاً من مراجعها غير المتوقعة، وتشويهها للوقائع، أو تضخيمها للأحداث.تنذر هذه المواقف على ما يبدو بالامتناع عن عرض أي تسوية حقيقية على أستراليا، حتى أنها تهدف على الأرجح إلى ترهيب عدد من الجهات المستهدفة دفعةً واحدة، على رأسها سكان تايوان: يكفي أن نفكر بتداعيات التلميح إلى احتمال إنشاء نسخة معاصرة من معسكرات الغولاغ لاحتجاز كل من يرفع الصوت ضد الصين، كذلك قد تهدف المواقف الأخيرة إلى ترسيخ بعض الخطابات الاستراتيجية، مثل الادعاء المغلوط حول دعم العالم لموقف بكين تجاه تايوان.تثبت الظروف الراهنة أن الصين قد تنشر قريباً فكرة مفادها أن محاولة تشاو قوبلت برفضٍ وقح من الجانب الأسترالي، مما يجعل أستراليا تستحق كل ما ستفعله الصين في المرحلة اللاحقة. ستكون هذه المقاربة ماكرة بامتياز، لأن بكين تدرك جيداً أن جميع الحكومات في الظروف السياسية الراهنة لن توافق على أي تسوية بالشروط المقترحة اليوم، أي استسلام أستراليا وامتناع الصين عن تقديم أي تنازلات.* ساشا دومينيك دوف باشمان
مقالات
ما وراء أحدث رسالة صينية إلى أستراليا
01-09-2022