تتخبط معظم بلدان العالم بسبب ارتفاع أسعار الطاقة اليوم، لكن أوروبا تواجه أزمة غير مسبوقة قد تُجبِر القادة الأوروبيين على ارتجال خطط إنقاذية وتدابير طارئة لحماية المستهلكين من الأضرار الاقتصادية بحلول الشتاء المقبل.تتعلق أكبر مشكلة بوصول أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، مما أدى إلى نشر الفوضى في أنحاء القارة، وتفاقم التضخم، وإعاقة الصناعات، وإخافة المستهلكين العاديين من تلقي فواتير الكهرباء في البريد. اليوم، أصبحت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا أعلى مما كانت عليه في العقد الماضي بعشر مرات تقريباً، وأعلى مما هي عليه في الولايات المتحدة بعشرة أضعاف أيضاً، يقول أليكس مانتون، خبير في أسواق الغاز العالمية في «مجموعة رابيدان للطاقة»، إن الغاز الطبيعي الأوروبي أصبح مكلفاً لدرجة أن يساوي دفع 500$ مقابل برميل النفط. بعدما بدأت أوروبا تتخلى عن إمدادات الطاقة الروسية، سارع عدد كبير من القادة إلى إبرام اتفاقيات بديلة وتأمين الإمدادات من بلدان أخرى، لكن يقول خبراء الطاقة إن الدول لا تستطيع فعل الكثير لتعزيز إمداداتها في المستقبل القريب، ويوضح جايسون بوردوف، المدير المؤسّس لمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا والمساعد السابق للرئيس الأميركي باراك أوباما: «تبقى الخطوات الممكنة لتأمين إمدادات إضافية لأوروبا على المدى القصير محدودة، نظراً إلى تراجع كميات الغاز الطبيعي المُسال في العالم».
في الوقت نفسه، بدأ القادة الأوروبيون يركزون على شؤونهم الداخلية، ففرضوا تدابير واسعة لتوفير الطاقة وتخفيض استهلاك الكهرباء، فإسبانيا مثلا دعت العمال إلى عدم ارتداء ربطات العنق لتجنب الشعور بالحر وتوفير الطاقة، ثم عادت وصادقت على خطة جديدة قبل أيام، وهي تشمل قواعد لاستعمال مكيّف الهواء ونظام التدفئة بطريقة تضمن تخفيف الاستهلاك، كذلك، هددت فرنسا بفرض رسوم على المتاجر التي تُشغّل مكيفات الهواء من دون إغلاق أبوابها، وأطفأت ألمانيا الإنارة التي تضيء الآثار في برلين، حتى أن بعض الألمان أخذ زمام المبادرة وبدأ يخزّن الحطب منذ الآن استعداداً للشتاء المقبل، وووتتزامن هذه الخطوات مع احتدام النقاش في ألمانيا حول تأخير التخلي التدريجي عن آخر محطات نووية محلية خلال الأزمة المستمرة. يقول مانتون: «لن تكون متابعة تشغيل تلك المنشآت بسيطة بقدر ما يظن البعض، فقد كانت الشركات والجهات المسؤولة عن تشغيل هذه المحطات تطبّق خطة دقيقة لإنهاء العمليات هناك في مرحلة زمنية معينة، مثل نهاية هذه السنة، وهي تدير المحطات على هذا الأساس. لكن إذا تلقّت تلك الجهات الآن أمراً بمتابعة تشغيلها، فسيزداد الوضع تعقيداً».كما أعلن وزير الصناعة التشيكي، جوزيف سيكيلا، أن جمهورية التشيك ستدعو مجلس الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى عقد اجتماع استثنائي، بعد أيام قليلة على اقتراح تحديد سقف للأسعار كجزءٍ من الخطط المحتملة. لا أحد يعرف إلى متى ستصمد القطاعات والأُسَر في ظل هذا الوضع، فتتعامل المملكة المتحدة مثلاً مع تضخم تجاوز عتبة العشرة في المئة بسبب تحليق أسعار الطاقة والتراجع الحاد في تقديرات الناتج المحلي الإجمالي، وفق تحليلات مجموعة «أكسفورد للاقتصاد»، ولا تقدّم أوروبا أداءً أفضل منها، وذكرت المجموعة الاستشارية الاقتصادية في أحد بياناتها: «نظن أن قطاع التصنيع الأوروبي سيواجه شكلاً من الركود خلال الفصول المقبلة، لكن ستتأثر الأُسَر أيضاً بكل ما يحصل، ومن المتوقع أن يتضرر المستهلكون من زيادة أسعار الغاز والكهرباء، ونظن أن مستوى ارتفاع الأسعار سيُمهّد لتوسيع نطاق تدخّل الحكومة على الأرجح».حتى الآن، توحي جميع المؤشرات باستمرار هذه الظروف المؤلمة لفترة طويلة في القارة الأوروبية، وفي النهاية، يقول مانتون: «يبدو أن أوروبا بدأت تستعد لتفاقم الوضع قبل أن يتحسّن لاحقاً، ولكن إلى أي حد سيسوء الوضع بعد»؟ *كريستينا لو
مقالات
أزمة الطاقة في أوروبا تفوق التوقعات
01-09-2022