التعريب وتعزيز الهوية العربية
مع انتشار العلوم والمعارف بصورة كبيرة في القرن الحادي والعشرين، وظهور المستجدات التقنية بشكل متسارع، وخاصة في السنوات القليلة الماضية، وتطبيقها في شتى مجالات الحياة، دخلت إلى لغات العالم مصطلحات علمية وتقنية وثقافية جديدة فرضت نفسها على تلك اللغات، وصارت مألوفة لدى معظم سكان العالم.ومع هذا الزخم من المصطلحات الجديدة، حدث صراع لغوي جديد، إذ حرصت بعض الدول والمجتمعات على ترجمة تلك المصطلحات بما يناسب لغتها ومرادفاتها واشتقاقاتها، في حين سعت دول أخرى إلى «تعريب» هذه المصطلحات واستخدامها بألفاظ لغاتها، وكما وردت في اللغات الأصلية لها، نظراً لأن أبناءها بدأوا يستخدمونها وفق ما وردت من تلك اللغات الأصلية، ورأوا أن ذلك مناسب لهم، بينما تأخرت دول أخرى عن هذه التطورات، فلم تأخذ بأي من الجانبين، وأبقت على المصطلحات وفق ما وردتها.وعندما يجري الحديث في الدول العربية عن تعريب مثل هذه المصطلحات يتداخل معه في معظم الأحوال سؤال عن أثر ذلك على الهوية العربية، وعن إمكانية تأثر اللغة العربية مستقبلاً بذلك، ومن ثم ضياع تلك الهوية عند الأبناء بصورة كُلية أو جزئية.
ونحن ندرك أن هناك لغات ضعيفة في بعض الدول والمجتمعات لا تستطيع مجاراة التطورات الحاصلة في المجالات العلمية والفكرية، وليس لديها القدرات المناسبة لترجمة المصطلحات العلمية والعرفية، وتكتفي بأخذها كما وردت في اللغات الأم. أما اللغة العربية، فهي لغة تتميز بالحيوية والقدرة على مواكبة التطورات الحاصلة في جميع المجالات، ولديها ثراء كبير بالمفردات يمكِّنها من ترجمة أو تعريب المصطلحات العلمية. لكن ذلك الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة من الجهات المعنية عن التعليم، ومن اللغويين والباحثين، حتى يتم تطويع لغتهم الحيوية، لتستوعب هذه التطورات وتواكب استخداماتها المتنوعة. والأمر الخطير يكمن في عدم اهتمام أولئك المعنيين بضرورة تعريب تلك المصطلحات الوافدة من كل حدب وصوب، وعدم إدراكهم للتحديات الناجمة المصاحبة لها، لأن ذلك في نهاية الأمر سيؤثر في إضعاف الهوية الثقافية لأبناء الدول العربية، وسينعكس على أفكارهم وعاداتهم، وهو ما يستدعي وقفة ضرورية وحازمة من الجهات المعنية في الدول العربية لتعزيز الاهتمام بموضوع التعريب، لأنه يسهم في ترسيخ الهوية الثقافية العربية، وفي زيادة حيويتها وغناها، ويساعد على تمسك المجتمعات بها.