القضاء على الفساد... من أين نبدأ؟
الجهد الحكومي الأخير في محاربة الفساد واستئصال الفاسدين ومحاسبة المقصرين والتخلص منهم صادم في قوته لأصحاب الدولة العميقة الذين تفرَّدوا بمؤسسات الدولة في السنوات السابقة، وغرسوا عناصر تابعة لهم في مفاصل مؤسسات المجتمع، فعاثوا فسادا عميقاً وأفرزوا تخلفاً وتراجعاً فظيعاً عم المجتمع، لذلك لابد من تنظيف المجتمع منهم، ومن خبثهم الذي وضعوه في كل مكان وضربهم بلا هوادة. ولابد أن يترافق مع هذا تحرك لتصليب فعالية ديوان المحاسبة، كمرتكز رقابي مؤسسي عبر خلق أنياب له، بحيث يمنح صلاحية تحويل المخالفين إلى النيابة.أما بخصوص القضاء على سوء الأداء والتقصير والإهمال لدى المسؤولين والموظفين فإننا سنجد تجارب ناجحة وفعالة في بعض الدول الخليجية تتعلق بتنميط العمل ووضع مقاييس ومعايير اداء تحكم جودة وسرعة الإنجاز مع الالتزام بالضوابط والتعليمات وتكون الرقابة والتقييم عبر المتسوق السري الذي يراقب الأداء ومتعلقاته، فالمتسوق السري يأتي كمراجع عادي ويكتب التقارير الاحترافية المنضبطة التي تحدد أوجه القصور والإهمال والمخالفات.
إلا أن ذلك ليس له كبير نفع إن ظلت الأمور على ما هي عليه، فلابد من القيام بأقوى اجراء، والمتمثل بتخلص الدولة من القطاع العام ما عدا المؤسسات الأمنية ومؤسسات العدالة ومؤسسات المالية العامة ومؤسسات حماية البيئة والمعلومات المدنية ومؤسسات التخطيط.في حال قامت الدولة بالخصخصة لن يكون شاغل الدولة متابعة أداء مسؤولي وموظفي القطاعات الصحية والتعليمية ومحطات الكهرباء والماء والإسكان والمواصلات والبريد والموانئ والمطار والخطوط الجوية... إلخ لن تكون هناك مناقصات وموازنات ضخمة لكل ما سبق وبالتالي لن تكون هناك حسابات ومراقبة وتحويلات للنيابة وفضائح وواسطات، كل هذا سوف ينزاح عن كاهل الدولة، والقطاع الخاص بطبيعته لن يرحم الفاسدين والمقصرين وسوف ينبذ مزوري الشهادات والعاجزين بلا رحمة.بعد هذا تتفرغ الحكومة من خلال تقارير ومؤشرات علمية للتطوير والتعديل لمزيد من رفع جودة الأداء العام والاسهام في الدعم بمختلف اشكاله وتوجيه الإنفاق العام نحو ما فيه ترقية وتطوير القطاعات الخاصة والعامة لتحقيق اقصى قدر ممكن من الرفاهية والنمو والتنمية.وقد اشرنا في مقالات سابقة الى انجع الحلول وما يحفظ مستوى الرفاهية بالنسبة للعمالة الفائضة بعد عملية الخصخصة، وبعد فرض نسبة التكويت الإلزامية التي ستبدأ 40 في المئة في القطاع الخاص.