هل تتخذ رابطة أمم جنوب شرق آسيا موقفاً أقوى من حرب أوكرانيا؟
أدانت معظم حكومات «الغرب السياسي» الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022. في المقابل، يعيش ثلثا سكان العالم في دولٍ فضّلت اتخاذ موقف حيادي أو تميل إلى تأييد روسيا في هذه الحرب، وتدخل أغلبية أعضاء رابطة أمم جنوب شرق آسيا في هذه الخانة.يكشف مشروع بحثي مستمر أن معظم حكومات جنوب شرق آسيا رفضت الانحياز إلى الغرب لإدانة موسكو وعزلها دبلوماسياً، ويظن بعض المراقبين أن رابطة أمم جنوب شرق آسيا والدول الأعضاء فيها يُفترض أن تتخذ موقفاً أقوى ضد انتهاك روسيا الفاضح للقانون الدولي، لكن إلى أي حد يُعتبر هذا التحليل صائباً؟لتشجيع رابطة أمم جنوب شرق آسيا على اتخاذ موقف أقوى من الحرب، يتعلق السبب الأكثر إقناعاً بنزاهة القواعد والمعايير الدولية، فقد انتهكت موسكو جميع معايير «معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا»، بما في ذلك مبادئ السيادة، ووحدة الأراضي، واللاعنف، وكانت حماية الدول الأصغر حجماً في هذه المنطقة من سياسة «القوة فوق الحق» سبباً أساسياً لتأسيس رابطة أمم جنوب شرق آسيا، ولا يزال هذا العامل مهماً بالقدر نفسه اليوم، وقد حذّر عدد كبير من المراقبين من احتمال أن يزيد العدوان الروسي جرأة التحركات الصينية في آسيا مستقبلاً.
لكن بعيداً عن انتهاك المعايير، تشكّل المزاعم الروسية التاريخية الكاذبة حول الأراضي الأوكرانية وحماية الروس المقيمين هناك سابقة مريعة بالنسبة إلى جنوب شرق آسيا، ويمكن اختصار وضع معظم دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا عبر مواقف أعضاء الرابطة ذات الانتماءات العرقية المتنوعة، حيث تقيم شريحة واسعة من الأقليات العرقية الصينية، فضلاً عن الدول التي تحمل مطالب معينة في بحر الصين الجنوبي وتواجه مزاعم الصين التي تدّعي امتلاكها «حقوقاً تاريخية» في تلك المنطقة.أولاً، لا تتعلق أبرز مسؤوليات رابطة أمم جنوب شرق آسيا بأمن أوروبا، إذ يواجه أعضاء هذه الرابطة أصلاً تحديات داخلية وخارجية تتراوح بين الانقلاب في ميانمار في عام 2021، واحتدام المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، والاضطرار للسيطرة على علاقات متعددة الأوجه وشائكة أحياناً بين مختلف الأعضاء، وتؤثر الحرب في أوكرانيا على جنوب شرق آسيا فعلاً (على غرار جميع الحروب العالمية)، لكن لا تستطيع رابطة أمم جنوب شرق آسيا أن تؤثر مباشرةً على النتائج في أوكرانيا ولا تُعتبر هذه المهمة من مسؤولياتها أصلاً.ثانياً، تتعدد الحالات التي أثبتت فيها رابطة أمم جنوب شرق آسيا وحدتها خلال الأزمات الدولية، لكن لن تكون حرب أوكرانيا جزءاً منها، فمن خلال اتخاذ موقف قوي حول مسألة ثانوية، قد تواجه الرابطة مشاكل أكثر تعقيداً وتكشف تفكّكها، مما يؤدي إلى تشويه صورتها على الساحة الدولية بدرجة إضافية. أخيراً، ترتبط مشاكل جوهرية أخرى باتخاذ «موقف مبدئي»، بحيث تكون المبادئ مطلقة بطبيعتها، وهي تبرر موقفاً معيناً كونها ترتكز على تماسك المعايير، وإلا تخسر المبادئ طبيعتها وتصبح عشوائية، فعند حصول أي انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة أو أجزاء أخرى من القانون الدولي، لا سيما على مستوى سيادة الدول، يصبح هذا النوع من ردود الأفعال ضرورياً ويرتفع احتمال صدور مواقف قوية بالقدر نفسه، فهذه السياسة لا تترك مجالاً للمواقف المرنة مستقبلاً، ولا يحبذ الدبلوماسيون في جنوب شرق آسيا عموماً الشعور بأنهم محاصرون.تحمل كل حجّة جانباً مقنعاً وقد يتوصل المراقبون إلى استنتاجات مختلفة، لكن لن تحصد رابطة أمم جنوب شرق آسيا منافع كبرى من اتخاذ موقف قوي ضد الحرب كونها تعجز عن التأثير في مسارها واقعياً، وسيكون هذا النوع من المواقف كفيلاً بتعقيد جهودها الدبلوماسية الداخلية والحد من خياراتها السياسية المستقبلية بكل بساطة.يُفترض أن تتكل رابطة أمم جنوب شرق آسيا إذاً على تقاليدها الدبلوماسية المبنية على الحياد والتنوع: إنه جزء من نقاط قوة التعددية فيها، كذلك، يجب أن تتابع الرابطة تسهيل الحوار الشامل بين القوى العظمى، علماً أن هذا النوع من التواصل لا يزال نادراً، وعند نشوء وجهات نظر متباينة، داخلياً أو بين شركاء الحوار (بما في ذلك الصين، والولايات المتحدة، وروسيا)، تقدّم رابطة أمم جنوب شرق آسيا أفضل أداء لها حين تبني الجسور لتسهيل تبادل الآراء بين القادة، بدل التمسك بالقانون الدولي أو محاولة حل الصراعات.* فريديريك كليم وإيان شو تشانغ وي