في ظل أهمية كبح جماح الأسعار التي وصلت إلى أعلى مستوياتها في 40 عاماً، وبروزها كأحد أهم الأولويات الجوهرية التي يتصدى لها مسؤولو «الاحتياطي الفدرالي» قد تستمر وتيرة تشديد السياسات النقدية ورفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، حيث أظهرت أحدث موجة من البيانات مدى مرونة ثقة المستهلك وارتفاع الطلب على العمالة.

وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي، الصادر عن بنك الكويت الوطني، تعتمد آمال «الاحتياطي الفدرالي» في تحقيق «الهبوط الناعم» على ظاهرة نادرة الحدوث، وهي أن تزايد معدلات البطالة ليس بدافع من فقد العاملين لوظائفهم، بل لأن المزيد من العاطلين عن العمل بدأوا في البحث عن وظائف شاغرة. وقد يؤدي ارتفاع أحدث معدلات المشاركة في القوى العاملة إلى زيادة الضغوط على الدخل ما يدفعه إلى التراجع والحد من الإنفاق دون التسبب في انكماش حاد، وقد يعزز ذلك من فرص إبقاء «الفدرالي»، الذي يقوم حالياً برفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة في إطار مساعيه لكبح جماح التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ عقود عديدة، سعر الفائدة مرتفعا لفترة أطول إذا حدث ذلك.

Ad

ويبدو أن رئيس مجلس «الاحتياطي الفدرالي» جيروم باول خلص إلى أن الأمر سيتطلب التعامل بشراسة، وليس مجرد هبوط سلس، لمعالجة التضخم الذي شهد ارتفاعاً لا هوادة فيه بأميركا حيث قال: «من المرجح أن يتطلب خفض التضخم فترة من النمو المستدام»، مضيفاً: «إضافة إلى ذلك، قد تتراجع ظروف سوق العمل».

وترك باول المجال مفتوحاً أمام إمكانية رفع سعر الفائدة مرة أخرى بمقدار 75 نقطة أساس هذا الشهر، لافتاً إلى أن التراجع الأخير الذي شهده معدل التضخم في الولايات المتحدة كان «أقل بكثير» عن المستويات المستهدفة من قبل صانعي السياسات.

اشتعال التضخم في أوروبا

تواصل أسعار الطاقة والمواد الغذائية إشعال فتيل التضخم بمنطقة اليورو، إذ تسارعت وتيرة ارتفاع الأسعار بالمنطقة التي تضم 19 دولة لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في أغسطس عند 9.1% مقارنة بالعام الماضي. وباستبعاد المواد الغذائية والطاقة، ارتفع معدل التضخم الأساسي إلى مستوى قياسي جديد عند 4.3%، ما يسلط الضوء على ضغوط الأسعار التي أصبحت واسعة النطاق.

وعلى مستوى المنطقة، تسارعت وتيرة التضخم الألماني إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ 40 عاماً، إذ وصلت إلى 8.8% في أغسطس مقابل 7.5% في يوليو، كما ارتفع معدل التضخم السويسري في أغسطس، إذ وصل أعلى مستوياته المسجلة في 30 عاماً عند 3.5% مقابل 3.4% في يوليو، وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار في إسبانيا وفرنسا هامشياً في أغسطس لكنها لا تزال عند مستويات مرتفعة ولاتزال مرتبطة بارتفاع أسعار الطاقة.

من جهة أخرى، تراجع معدل التضخم الإسباني للمرة الأولى منذ أربعة أشهر، إذ بلغ 10.4% مقارنة بمستويات العام الماضي مقابل 10.8% في يوليو، وارتفع معدل التضخم الفرنسي إلى 6.5% مقارنة بمستويات العام الماضي مقابل 6.8% في يوليو.

ولا تزال التوقعات محفوفة بالمخاطر في ظل الحرب المستعرة بأوكرانيا واستخدام روسيا شحنات الغاز الطبيعي للرد على عقوبات الاتحاد الأوروبي. وفي مواجهة مخاطر انقطاع التيار الكهربائي، وترشيد استخدام الغاز، والركود الشديد إذا خفضت روسيا شحنات الغاز، تتزايد امكانية حدوث ركود في منطقة اليورو يصل إلى أعلى المستويات منذ نوفمبر 2020، إذ تسبب ارتفاع تكلفة المعيشة إلى الإضرار بالشركات والأسر الأوروبية، وتفاقمت اختناقات العرض بسبب الجفاف الشديد، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه عبر أنهار أوروبا هذا الصيف.

«الأوروبي» يدق ناقوس الخطر

ووسط ارتفاع معدل التضخم الكلي إلى أكثر من أربعة أضعاف المستوى المستهدف البالغ 2%، وتأكيد المؤشرات اتساع نطاق ارتفاع الأسعار ليشمل أكثر من مجرد المواد الغذائية والطاقة، يؤدي ضعف اليورو إلى تفاقم المشكلة من خلال زيادة تكلفة الواردات.

ومن المتوقع أن يقوم البنك المركزي الأوروبي برفع سعر الفائدة مرة أخرى بما لا يقل عن 50 نقطة أساس هذا الأسبوع بعد أن أعرب العديد من المسؤولين عن مخاوفهم عقب البيانات الأخيرة، التي اكدت ضرورة اتخاذ تدابير قوية، حيث صرح عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي رئيس البنك المركزي في ألمانيا يواكيم ناجل بأن الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة أصبحت أمرا واضحا، ولكن ما زال يتعين تحديد مدى ارتفاعها.

ويضغط عضو مجلس الإدارة مارتينز كازاك لرفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس على الأقل، وانضم إلى الأصوات التي تؤيد رفعها بمقدار 75 نقطة أساس، واتفق عضوا مجلس الإدارة روبرت هولزمان وكلاس نوت على ضرورة النظر في تلك الخطوة على الأقل، ومن المقرر أيضا أن يناقش البنك الوطني السويسري رفع سعر الفائدة مرة أخرى في اجتماع السياسات المقرر عقده في وقت لاحق من الشهر الحالي، بعد أن قام برفعها بالفعل بمقدار 50 نقطة أساس في يونيو.

الاقتصاد الصيني يلوح بالتباطؤ

وأدى المزيج الخطير بين الالتزام الثابت بسياسات «صفر كوفيد» وعمليات الإغلاق الإقليمية، ونقص الطاقة، والأزمة العقارية المستمرة في كل أنحاء البلاد إلى التأثير سلبا على الإنفاق الاستهلاكي والتجاري وتباطؤ التعافي الاقتصادي بالصين، حيث ظل نشاط المصانع في حالة انكماش للشهر الثاني على التوالي في أغسطس، وعلى الرغم من الأداء الجيد لمؤشر مديري المشتريات التصنيعي الرسمي، الذي يقيس أداء الشركات الكبرى التابعة للحكومة، الذي ارتفع إلى 49.4 مقابل 49.0 في يوليو، فإن القراءة ما زالت في منطقة الانكماش.

ومن المقرر أن تتسبب الإجراءات الأخيرة التي تضمنت فرض تدابير الإغلاق على مدينة تشنغدو، سادس أكبر مدينة بالصين، في فرض المزيد من الضغوط على الاقتصاد الصيني، ومن المرجح أن تؤدي تدابير الإغلاق إلى تراجع الإنفاق على قطاعات التجزئة والمطاعم وإجبار المصانع والشركات على الإغلاق، وتساهم تشنغدو بنحو 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني للصين، ورغم أن تداعيات إغلاق تشنغدو قد لا يكون ضارا بنفس مستوى إغلاق شنغهاي، الذي استمر شهرين، لكنه سيستمر 4 أيام على الأقل، ويؤثر على النشاط التجاري والاستهلاكي بالمنطقة بما ينعكس سلباً على المعنويات بكل أنحاء البلاد.