غالباً تسبق الانتخابات النيابية خطابات ووعود بمحاربة الفساد وترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل. يهملها معظم الناخبين لقناعتهم بأنها مجرد شعارات لن يتمكن المرشح من تحقيقها، ولأنهم يختارون ممثليهم بناء على معطيات مختلفة، لا علاقة لها بمصلحة الوطن.لكن الإجراءات الأخيرة توحي بأن الأمر يختلف هذه المرة. القيادة السياسية تناشد الشعب حسن الاختيار، «لا تضيعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود لما كنا عليه، لأن هذه العودة لن تكون في صالح الوطن والمواطنين، وسيكون لنا في حالتها إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث».
لم يحدث سابقاً أن لجأت الدولة للشعب وحمّلته مسؤولية تصحيح المسار، ولم يحدث أن تعهدت بعدم التدخل في الانتخابات النيابية وانتخابات الرئاسة واللجان. ومنعت الانتخابات الفرعية، وفتحت أبوابها لشكاوى المواطنين وأغلقتها عن النواب. كل ذلك مقابل أن يُحسن المواطن اختيار من يمثله في المجلس.لكن المواطن لم يتعود الاختيار دون تغليب المصالح الشخصية، والفترة المتاحة غير كافية ليطمئن بأنه بعد الانتخابات القادمة لن يحتاج إلى نائب خدمات. ربما نحتاج إلى حل غير دستوري، يمنح المواطن فترة كافية لاستيعاب التغيير ويتعرف على النهج الجديد ويفهمه. خاصة بعد قائمة طويلة من القرارات الحكومية التي ألغيت أو تغيرت أو أهملت خلال فترة وجيزة من إصدارها. حُسن الاختيار في نظري يعني انتخاب مؤهلين بإمكانهم دراسة وتحليل ميزانيات الدولة لمناقشة أي خلل، سواء كان في ارتفاع تكاليف إنتاج برميل النفط، أو التعليم أو العلاج، ويعني انتخاب من يطالب الحكومة بتقليص جهازها والتوقف عن التعيين دون حاجة، ومن يطالب بإغلاق المؤسسات الفاشلة التي تديرها الدولة، وتخفيض الدعوم على الكهرباء والماء للحد من الهدر والإسراف. حُسن الاختيار يتطلب أن يكون بإمكان أعضاء المجلس فَهم حال البلد وشرحها لناخبيهم، حتى يسهل إقناعهم ومن ثم التزامهم ببرنامج إصلاحي يحافظ قدر الإمكان على المميزات التي اعتاد عليها المواطن وعلى مستواه المعيشي.طبيعي أن تكون فرص الفوز ضئيلة لهؤلاء، لأن أفكارهم تتعارض مع مصلحة المواطن على المدى القصير. لكن استمرار الصرف والرعاية الحكومية بالنهج الحالي سيكون في غاية الصعوبة، وعلى الحكومة والمجلس القادمين أن يعو ذلك، وأن ثمة برامج إصلاح غير شعبية لابد من اتخاذها. ولابد من حوافز تنمي المبادرات الفردية وتزيل المساحات الضبابية بين من يعمل ومن لا يعمل، وبين من يدرس ومن لا يدرس، وبين من يجتهد ومن لا يجتهد. هذه المساحات قتلت المنافسة الحرة والاهتمام بالأداء، وقتلت رغبة المواطن في بذل الجهد ليرتقي.حضرت ندوة موضوعها «الأيام الحلوة والأيام الصعبة» بدأها المحاضر بالترحيب بالحضور، ثم قسّم اللوح إلى جزأين كتب على الأول الأيام الحلوة، والثاني الأيام الصعبة. ثم التفت للحضور وقال لهم إن الأيام التي يشعر الإنسان فيها بالسعادة هي أيام حلوة، فأيده الحضور. والأيام التي يشعر الإنسان فيها بالنجاح أيضاً أيام حلوة، وكذلك الأيام التي يشعر فيها بالثقة والحب والصحة، أيده الحضور في جميعها. ثم سكت لحظات قليلة ليسأل، متى يتذكر الإنسان خالقه؟ وكان الرد بالإجماع، في الأيام الصعبة، ومتى يزيد الإنسان تواضعاً؟ في الأيام الصعبة، ومتى عليه أن يقلل من الإسراف والهدر؟ في الأيام الصعبة، ومتى عليه أن يبذل جهداً مضاعفاً؟ أيضاً في الأيام الصعبة. فاتفق الحضور على أن الصفات الجيدة والضرورية للنجاح تظهر في الأيام الصعبة.أي أن من شروط استمرار الأيام الحلوة أن تتخللها أيام صعبة تنمي قدرات الفرد وتذكره بضرورة الاعتدال والتواضع وبذل الجهد اللازم في العمل، وتخفيف الهدر لحماية الرفاهية واستمرارها. ربما حان الوقت للاستمتاع بإعادة بناء الوطن والمواطن، بعد حُسن الاختيار.
مقالات
حين يتعارض حُسن الاختيار مع مصلحة المواطن
06-09-2022