الخطاب الغائب عن الاقتصاد
لن نجد مع أكثرية المرشحين للانتخابات النيابية مَن سيتحدث لجمهور الناخبين عن الاقتصاد، وعن مستقبل الدولة لو تدهورت أسعار النفط، وهذا أمر قريب الاحتمال، متى عدنا إلى فترة ما قبل الحرب الأوكرانية والعجوزات المالية الرهيبة، وكان الحكومة والمجلس السابقان لا هما في العير ولا في النفير، كانت كل المسألة تعني سدّ العجز والاقتراض، أمّا إصلاح الاقتصاد القائم بكامله على سلعة النفط والاستثمارات، فلم يكن من شأنهما، وليس من هموم أغلبية الناس في مجتمع تربّى من أَلِفه إلى يائه على ثقافة الاستهلاك، في غياب أي رؤية قلق عقلانية للغد. أمر طبيعي مثل هذا الغياب لقضية غير شعبوية مع واقع متخلّف يرفض قيام أحزاب منظمة تملك فكراً وبرامج سياسية يمكن أن يعرفها الناخب حين يختار من قوائم هذه الأحزاب، الناخب في دولة العشائرية سينتخب قريبه وابن عشيرته وقبيلته؛ سواء لاحقت الحكومة الانتخابات الفرعية أو تركتها، أو ينتخب - على الأغلب - مَن ستكون له واسطة خير عند السلطة، حتى لو أغلق وزراء اليوم أو الغد أبوابهم عن طلّاب الواسطة.
أيضاً التعليم الكارثي في الدولة، لن يكون من أولويات الكثير من المرشحين، فهنا الناس تكترث للبطن لا للعقل، وهذا أمر محزن. أزمة الإسكان واحتكار الأراضي من الأثرياء بقصد المضاربة سيكون لها الكثير من المنصتين، فهي تلامس واقع حياة أسر كثيرة تعبت من الانتظار. لنعُد إلى المسألة الاقتصادية، وهي أولى الأولويات التي لن تجد لها مكاناً عند أكثرية المرشحين والناخبين، هنا يفرض أن تقوم الحكومة كسلطة بسدّ هذا الغياب متى كانت جديّة في رؤيتها وتعلمت من تجارب دول أخرى كانت في يوم مضى تحيا في بحبوحة مالية، لكنّها - بسبب غياب المؤسسات المحايدة والرؤية الحصيفة للغد - وقعت في أزمات اقتصادية، فنزويلا مثلاً، كتب عنها الاقتصادي شارما أنها قامت برحلة كاملة خلال المئة سنة الماضية، رحلت من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الثرية، ثم عادت كما كانت إلى عالَم المتوسطة والفقيرة، اليونان، والأرجنتين.. والأمثلة كثيرة لـ «حضارات سادت ثم بادت»، وكل الأمل أن نتعلّم من تجارب تلك الأمم.