أنهت أسعار النفط تداولات شهر أغسطس على تراجع للشهر الثالث على التوالي وسط تصاعد مخاوف ركود الاقتصاد العالمي وتشديد الاحتياطي الفدرالي الأميركي لسياساته النقدية وتزايد أزمة الطاقة الأوروبية الناجمة عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

وقال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن من المرجح أيضاً أن يكون لقوة الدولار الأميركي دور في التأثير على أسعار النفط، إذ تراجعت أسعار العقود الآجلة لمزيج خام برنت بنسبة 12.3% في أغسطس لتصل إلى 96.5 دولاراً للبرميل، فيما يعد أسوأ أداء شهري تسجله منذ نوفمبر 2021، في حين تقلصت الفروق السعرية للعقود الآجلة (تسليم شهر واحد وشهرين) لتصل إلى 1.2 دولار مقابل أكثر من دولارين بداية الشهر، مما يشير إلى تراجع تشديد الإمدادات.

Ad

وتراجعت مكاسب مزيج خام برنت منذ بداية العام لتصل إلى 24% مقابل 65% ببداية شهر مارس (128 دولاراً) بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. كما تراجع سعر خام غرب تكساس الأميركي بنسبة 9%، مغلقاً عند مستوى 89.6 دولاراً للبرميل. وانخفض سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 7.2% إلى 104.2 دولارات للبرميل.

واتسمت تداولات مزيج خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط بالتذبذب الكبير، مما يعكس الحساسية النسبية للمعيارين المرجعيين تجاه ديناميكيات العرض والطلب العالمية (مزيج خام برنت) والإقليمية (الولايات المتحدة)، وبدأت الأسعار تتجه للارتفاع مرة أخرى في النصف الأخير من الشهر بأكثر من 7 دولارات للبرميل.

وعلى الرغم من أنه ما يزال أقل من مستوياته المسجلة على مدار ثماني سنوات وبقيمة 13 دولاراً في أواخر يوليو، فإن علاوة سعر مزيج خام برنت مقارنة بخام غرب تكساس الوسيط تعكس مع ذلك الصعوبات التي تواجهها أوروبا في الحصول على بدائل للنفط الروسي، وباعتباره المعيار القياسي على مستوى العالمي، لذا يتسم بحساسية مفرطة تجاه المخاطر الجيوسياسية التي تتضمن المخاوف المتعلقة بإمدادات كلا من ليبيا والعراق في أغسطس كذلك الناجمة عن الصراع الروسي - الأوكراني بصفة عامة.

كما ساهم اتساع الفارق أيضاً في تشجيع منتجي النفط الأميركيين على زيادة الصادرات إلى أوروبا وخارجها وحطمت صادرات الخام الأميركية جميع الأرقام القياسية في أغسطس، إذ بلغ متوسط صادراتها في أسبوع واحد 5 ملايين برميل يومياً.

من جهة أخرى، تأثرت معنويات السوق بالمخاوف المتعلقة بالاقتصاد العالمي ووتيرة رفع الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة الأميركية والمدى المطلوب لكبح جماح التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود.

وأدى إصدار بيانات الصين الصناعية ومؤشر أسعار المستهلكين وواردات واستهلاك النفط الضعيفة إلى التأثير سلباً على التوقعات. هذا إلى جانب صدور أنباء تفيد بانعقاد جولة جديدة من المفاوضات النووية الإيرانية مرة أخرى بعد شهور من عدم إحراز أي تقدم، مما ساهم في الضغط على سعر مزيج خام برنت الذي انخفض إلى مستويات ما قبل الغزو الأوكراني البالغة 92 دولاراً للبرميل.

وانخفض صافي الفروق بين عقود الشراء والبيع على المكشوف، وهو مقياس ثقة المديرين في أن أسعار النفط سترتفع، بشكل كبير في أغسطس ووصل إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر 2020.

وانخفض عدد العقود المفتوحة، وهو مقياس لنشاط السوق، إلى أدنى مستوياته في 7 سنوات في ظل انخفاض السيولة وارتفاع التكاليف التحوطية.

وأشار وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى مسألتي نقص السيولة ونشاط الأسواق في منتصف أغسطس عندما أعرب عن استيائه من التقلبات الحادة والانفصام الذي أصاب الأسواق مما ساهم في انفصال أسعار أسواق النفط الآجلة عن أساسيات السوق.

كما أوضح أن تلك التطورات قد تستدعي قيام «أوبك» وحلفائها بخفض الإنتاج بعد اجتماع سبتمبر، وارتفعت أسعار النفط بعد تصريحاته وحتى نهاية شهر أغسطس.

وتعد التقلبات الملحوظة في أسواق النفط أيضاً أحد أسباب حالة عدم اليقين التي أصابت الطلب العالمي على النفط، إذ تباطأت وتيرة نمو الطلب على النفط منذ أن بلغ ذروته في الربع الأول من عام 2022، نظراً لمواجهة الاقتصاد العالمي العديد من الرياح المعاكسة بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم وتزايد تكاليف الطاقة وتشديد السياسات النقدية وتصاعد قوة الدولار الأميركي، فضلاً عن التداعيات السلبية الناجمة عن الصراع الروسي الأوكراني وتدابير الإغلاق المطولة التي طبقتها الصين لاحتواء تفشي فيروس كوفيد 19.

وما تزال التداعيات الاقتصادية للصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا تؤدي دوراً، والتي تخطت ارتفاع تكاليف الطاقة، إذ تقف أوروبا في مهب الريح وتواجه إمكانية ضعف النشاط الصناعي وتقشف المستهلكين هذا الشتاء في ظل احتمال تقنين الطاقة وارتفاع أسعار المستهلك.

وفي يوليو، خفض صندوق النقد الدولي آفاق نمو الاقتصاد العالمي للمرة الثالثة ويتوقع الآن أن يصل معدل النمو إلى 3.2% في عام 2022، مقابل 4.4% المتوقعة في يناير، وبنسبة 2.9% في عام 2023.

وتعتبر توقعات الطلب على النفط للفترة المتبقية من عام 2022 معتدلة إلى حد كبير، إذ لم يتعد معدل النمو على أساس سنوي 100 ألف برميل يومياً في الربع الرابع من عام 2022، ليصل في المتوسط إلى 2.1 مليون برميل يومياً للعام بأكمله.

وترى وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على النفط سيظل أعلى من مستويات ما قبل الجائحة، عند مستوى 100.8 مليون برميل يومياً بدعم من زيادة استخدام النفط لتوليد الطاقة (التحول من استخدام الغاز إلى النفط).

وبالنسبة لعام 2023، ما تزال آراء الاجماع إيجابية، إذ تشير إلى 2.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لوكالات تقارير الطاقة الرئيسية الثلاث، وكالة الطاقة الدولية، والأوبك، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلا ان هذا يعتمد بشكل كبير على عودة النشاط الاقتصادي وتزايد الطلب على النفط من الصين.

وارتفعت إمدادات النفط العالمية إلى أعلى مستوياتها المسجلة خلال فترة الجائحة في يوليو الماضي وذلك بدعم من زيادة إنتاج الأوبك وحلفائها، بما في ذلك الإنتاج الروسي المرن، وتوقف أعمال الصيانة في كندا وحقول بحر الشمال.

فيما جاء زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة منذ بداية العام بوتيرة متواضعة، إذ ارتفع بمقدار 300 ألف برميل يومياً فقط إلى 12.1 مليون برميل يومياً بنهاية أغسطس، وفقاً للبيانات الأسبوعية الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وبلغ إنتاج الأوبك وحلفائها (الأعضاء الملتزمين بحصص الإنتاج المقررة) 38.5 مليون برميل يومياً (+548 ألف برميل يومياً) في يوليو، فيما يعد أفضل معدل نمو شهري يتم تسجيله منذ عام، مع رفع الإنتاج في السعودية والكويت والإمارات لاستيفاء حصص الإنتاج التي تم زيادتها.

وما يزال إنتاج الأوبك وحلفائها أقل من المستوى المستهدف بعد إقرار زيادة الإنتاج الشهري بمقدار 648 ألف برميل يومياً.

ونتيجة لذلك، وصل نقص الإمدادات إلى 2.9 مليون برميل يومياً في يوليو ومن المرجح أن يمتد في أغسطس، ثم في سبتمبر عندما ترفع المجموعة حصص الإنتاج بمقدار 100 ألف برميل يومياً على التوالي.

وتم التوصل إلى هذا الاتفاق الأخير خلال اجتماع الأوبك وحلفائها الذي انعقد في أغسطس، إلا أنه يعتبر إلى حد كبير بادرة رمزية لتهدئة الدعوات الدولية للأوبك وحلفائها لكبح ارتفاع أسعار النفط.

ومنذ ذلك الحين، تغيرت توقعات السوق بشكل كبير. ومع تعرض الطلب على النفط للضغوط وإمكانية عودة النفط الإيراني، يبدو أنه هناك احتمال ضئيل بأن تقوض الأوبك وحلفائها أي زيادات إضافية للإنتاج اعتباراً من أكتوبر فصاعداً.

وستهيمن قضية تضاؤل الطاقة الاحتياطية للأوبك وحلفائها على مداولات المجموعة. وبحلول أكتوبر، قد ينخفض فائض الطاقة الإنتاجية إلى 2.3 مليون برميل يومياً (باستثناء إيران وروسيا)، والتي تهمين عليها بالكامل تقريباً السعودية والإمارات.