علينا ألا نهمل مجالس العزاء

مجلس العزاء يعني وجود أقارب الأسرة التي فقدت أحد أقاربها في مكان لتلقي العزاء في فقيدهم، سواء من أصدقائهم أو من يرغب من أبناء المجتمع في مواساة أسرة الفقيد ومشاركتها أحزانها، وهي من العادات الطيبة والمحمودة التي ألفها المجتمع الكويتي وأكثر المجتمعات البشرية، أما بالنسبة إلى المجتمع الكويتي فتعقد مجالس العزاء ثلاثة أيام صباحاً، من بعد شروق الشمس بساعة تقريباً حتى أذان الظهر، وبعد الظهر من بعد صلاة العصر حتى قبل الغروب بدقائق، ويخصص مجلس للرجال وآخر للنساء.

وهي من العادات الطيبة والمحمودة، إذ تساهم في دعم الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ونشر أواصر الصداقة والمحبة بين أبناء المجتمع وتناسي الأحقاد والكراهية، وهي من الأهداف التربوية المهمة التي يجب أن يركز عليها المخططون للتربية، وأن يتبعوا أفضل الوسائل التي تمكنهم من تحقيق تلك الأهداف.

ولا شك أن مشاركة الناس في مسراتهم وأحزانهم من أهم الوسائل التي تسهم في تحقيق تلك الأهداف النبيلة، لذلك علينا أن نقدر حرص الكويتيين على هذه العادة النبيلة، وقد كان صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي العهد ومن سبقهما من الأمراء الذين رحلوا إلى رحمة الله تعالى، وأبناء الأسرة الحاكمة، شديدي الحرص على أداء هذا الواجب، الذي يترك آثاراً طيبة في النفس البشرية.

فأي إنسان طبيعي حين يرى حرص كثير من أبناء مجتمعه على الحضور إلى منزله ليواسوه في فقيده فإنه سيخفف هذا من أحزانه، وسيشعر بالانتماء إلى هذا الوطن، وإذا كان بينه وبين أي شخص سوء تفاهم وحضر ليعزيه فإن عليه أن يتناسى ذلك ويشكر حضوره.

والمجتمع الكويتي في هذه الأيام بحاجة ماسة لنشر مثل هذه القيم لأن هناك من يريد نشر الفتنة فيه، سواء بوعي أو بغير وعي، لذلك أستنكر ما صدر من أستاذ في العلوم السياسية، وهو يردد ساخراً من هذه العادات الطيبة، قائلا: يجب ألا يتحول الكويتيون إلى طابور من المهنئين والمعزين، ماذا تريد يا أستاذ العلوم السياسية أن يحمل الكويتيون السلاح ليضرب بعضهم بعضا لكي تعجب بهم؟ فهذا الكلام لا يصدر إلا من شخص يحب نشر الفتنة والتحريض عليها.

لا شك أن هناك ظروفاً صحية ظهرت قبل عامين، متمثلة في انتشار وباء كورونا، فرضت على سائر المجتمعات البشرية العزلة وعدم التواصل فيما بينهم، إلا أن تلك الظروف قد تلاشت بحمد الله، وذلك بعد أن تمكنت المجتمعات من تحصين غالبية شعوبها من ذلك الوباء، ولتراجع حدة ذلك الوباء، فعادت المجتمعات إلى طبيعتها، وبدأ الجميع بالتواصل، في دور العبادة ومؤسسات العمل والمدارس والمجمعات والمطاعم، وبدؤوا يقيمون حفلات الزواج والسفر إلى الخارج، ما عدا هذه العادة الكريمة التي يعتذر عنها الكثير منا متعللين بالظروف الصحية التي أصبحت معدومة، فكل الشكر للإخوة من السنّة والشيعة الذين لم يهملوا هذه العادة.

د. عبدالمحسن حمادة