مطلوب كائن ينبح
أغلبية الجماهير العربية تريد لقمة الخبز النظيفة والسكن المناسب، ولا يهمها شكل نظام الحكم ومبادئ الديموقراطية. هذه حقيقة كشفها استطلاع شبكة الباروميتر لمصلحة قناة «بي بي سي عربي»، 23 ألف شخص من الأكثرية السكانية لتسع دول عربية، هي: الأردن ومصر والعراق ولبنان وليبيا والمغرب وتونس والسودان والأراضي الفلسطينية، قالوا إن الديموقراطية لم تحقق الاستقرار الاقتصادي المطلوب. في العراق كانت النسبة الرافضة للديموقراطية تشكل 79 في المئة وهي الأعلى، ثم تونس وليبيا حتى لبنان الذي وصلت فيه النسبة إلى 69 في المئة... نلاحظ أن دولاً مثل العراق ولبنان وتونس هي «نظرياً» الأكثر ديموقراطية في العالم العربي، وهي للمفارقة الأكثر رفضاً لها، لكن هل نعتبر الحالة العراقية واللبنانية وتونس مثالاً للديموقراطية؟ لا يهم إن حسبناهم في عداد ديموقراطية الطائفية والفئوية والتدخلات الخارجية أو ديموقراطية صحيحة كصناديق اقتراع فقط، ففي النهاية معظم جماهير تلك الدول التي شملها الاستطلاع فقدت الأمل في أمر لم تحصل عليه أساساً، وهو الديموقراطية الصحيحة بمفهوم دولة حكم القانون المحاربة للفساد والمحسوبيات، والتي تحمي الأقليات من استبداد الأكثريات العرقية والدينية...مايكل روبنز المسؤول عن الاستطلاع يقول إن «مستقبل المنطقة غامض، قد يتطلع المواطنون العرب إلى إقامة نظم سياسية بديلة كنظام الحزب الواحد في الصين الذي تمكن في غضون أربعين عاماً من انتشال ملايين الناس من بوتقة الفقر...».
بصرف النظر عن الاستطلاع، المؤكد هو، أولاً: أن الدول الغربية التي حققت التنمية والديموقراطية المأمولة لم تصل إليها بضربة حظ، بل عبر مسار طويل من الإصلاح الديني ثم التنوير والثورات – الثورة الفرنسية هي الأساس- ثم الثورة الصناعية والحداثة حتى وصلت إلى ما انتهت إليه فيما بعد. ثانياً: الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة لم تستهل تقدمها وقفزتها الاقتصادية بالممارسة الديموقراطية وإنما عبر أنظمة سلطوية في البداية حققت لها التقدم الاقتصادي وانتشلت شعوبها من عالم الفساد والفقر. كان الاقتصاد أولاً، ثم الديموقراطية ثانياً.بكلام آخر، ليس أمام الشعوب العربية غير اختيار أي من الطريقين، أما الإصلاح الثوري الطويل الذي يأتي بتطور تاريخي فما زالت شعوب المنطقة بعيدة عنه، أو التقدم الذي يأتي من الأعلى بحكم سلطوي مستنير يحقق التنمية الاقتصادية، وبعد أن تشبع البطون يمكن للعقول أن تفكر نحو الأفضل. ينسب للزعيم الصيني الذي قام بحركة التصحيح الكبرى في نهاية السبعينيات بالصين دينغ شياو بينغ أنه قال عندما قرر تبني اقتصاد السوق عبر رقابة ومساهمة الدولة: «لا يهم ما إذا كان كلباً أم لا، طالما هو ينبح»، دعونا نبحث عن ذلك الحيوان الذين ينبح محذراً من كوارث التخلف والفقر.