من صيد الخاطر: «هذه بتلك والبادي أظلم»
«هذه بتلك والبادي أظلم»، مثلٌ يقال لمن يبادر بقول أو عمل ليس بحسن فيجازى بقول أو فعل أسوأ منه، ووراء هذا المثل قصة طريفة.فقد قاله الشاعر الفرزدق في نادي قومه ينشدهم، إذ مر به الشاعر جرير بن الخطفى على راحلة وهو لا يعرفه، فسأل الفرزدق عنه، فقيل له إنه جرير الخطفى، فقال الفرزدق لفتى له: ائت أبا حرزة وقل له: إن الفرزدق يقول: ما في حِرِامَّكَ إسْكة معروفةٌ للناظرين وماله شَفَتَانِ
لحق الفتى بجرير، وأنشده بيت الفرزدق، فقال جرير للفتى: ارجع إليه فقل له:لكِنْ حِرَامِّكَ ذو شِفَـــــــــــــــــاه جَمَّةٍ مخضرة كَغَبَاغِبِ الثيران(الغباغب: جمع غبغب، وهو اللحم المتدلي تحت الحنك، وهو الغبب أيضاً)رجع الفتى إلى صاحبه وأنشده بيت جرير، فضحك الفرزدق وقال: «هذه بتلك والبادي أظلم»وقال هذا المثل أيضاً قتيبة بن مسلم، عندما قدم إليه رجل من بني سلول بكتاب عامله على الري، وهو المعلى بن عمرو المحاربي، فرآه على الباب قدامة بن جعدة المخزومي، وكان صديقاً لقتيبة، فدخل عليه وقال له: ببابك ألأم العرب، سلولي، رسول محاربي إلى باهلي، فتبسم قتيبة تبسماً فيه غيظ.كان قدامة بن جعدة يتهم بشرب الخمر، وكان الأقيشر وهو شاعر ينادمه، فقال قتيبة: ادعوا لي سرداس بن جذام الأسدي، فدُعي له، فقال له: أنشدني ما قاله الأقيشر في قدامة بن هبيرة، وهما بالحيرة، فقال: رُبَّ نَدمـــــانٍ كَــــريمٍ مـــاجِـــدٍ سَيِّدِ الجَدَّينِ مِن فَرعَي مُضَرقَــــــد سَقَيتُ الكَأَسَ حَتّى هَرَّهــــــــا لَم يُخالِط صَفوَها مِنهُ كَدَرقُلتُ قُم صَلِّ فَصَلّى قاعِداً تَتَغَشّاهُ سَماديرُ السَكَرقَرَنَ الظُهرَ مَعَ العَصرِ كَمــــــا تُقرَنُ الحِقَّةُ بِالحِقِّ الذَكَرتَـــــرَكَ الفَــجـــــــرَ فـــــــَمـــــــــــــا يَقــــرَؤُهـــــــــــــا وَقَرا الكَوثَرَ مِن بَينِ السُوَرفتغير وجه قدامة وخجل، فقال له قتيبة بن مسلم: «هذه بتلك، والبادي أظلم»ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.