تعكس قراءة في قرار «أوبك+»، الذي اتخذته في اجتماع جدة الاثنين الفائت، كم هي عالية حالة عدم اليقين، فالقرار بخفض إنتاجها نحو 100 ألف برميل يومياً جاء ليمحو قرار زيادة مماثلة لشهر سبتمبر الجاري. وحالة التذبذب الحاد في أسعار النفط مع اتجاه هبوطي هي ناتجة عن متغيرات لا سلطة لأوبك ولا لغيرها عليها، فالحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية جاءت في وقت لم يتعاف اقتصاد العالم من اضطرابات سابقة، فأدى إلى انكماش الاقتصاد الصيني في الربع الثاني من العام، ومعه هبط معدل الطلب على النفط لديها، ولعل الأهم، هي التوقعات المتشائمة لاحتمالات أداء الاقتصادات الرئيسية.

خلال تلك الفترة، بلغ أعلى سعر لبرميل مزيج برنت نحو 133.18 دولارا بتاريخ 8 مارس 2022، وبلغ مستواه الأدنى نحو 95.06 دولارا بتاريخ 22 أغسطس 2022، كما يعرض له الرسم البياني المرافق، الفارق نحو 38.12 دولارا، وخلال فترة عدة أشهر فقط، ذلك ما تمثله علاوة المخاطر التي تناقصت بمرور الزمن. وعلاوة المخاطر، سواء كانت لأسباب جيوسياسية أو اقتصادية، قد ترتفع وقد تنخفض، وبشكل كبير، عند استفحال أو زوال مبرراتها، والتعامل معها يفترض أن يأخذ في اعتباره بأنها حالة استثنائية. وعالم اليوم مختلف عن عالم ارتفاع أسعار النفط بسبب حظر تصديره للغرب خلال حرب أكتوبر عام 1973، وكذلك مختلف عن ارتفاع عام 1979 بعد نجاح الثورة الإيرانية، فالتقدم التكنولوجي في قطاع النقل بات متقدماً، وحتى بعد هاتين الحالتين، انخفضت أسعار النفط وإنتاجه بحدة بعد أقل من عقد من الزمن.

Ad

غرض تلك المقدمة، التي أوردتها شركة الشال للاستشارات، في تقريرها الأسبوعي، هو التذكير بما حدث بالكويت في صيف عام 2020، عندما اختلف وزير المالية مع وزير النفط على منصات التواصل الاجتماعي على 7 مليارات دينار، وكانت أرباح محتجزة لدى مؤسسة البترول الكويتية، أرادها وزير المالية حالاً حتى لا يعجز عن سداد الرواتب والأجور، ودخلت الحكومة يومها فيما هو أقرب إلى العراك مع مجلس الأمة عندما قدمت مقترحاتها بطلب السماح لها بالسحب من احتياطي الأجيال القادمة، أو اللجوء إلى الاقتراض من السوق العالمي لمواجهة حريق السيولة.

اليوم، وبسبب ظروف العالم الاستثنائية المذكورة، قدر «الشال» احتمال تحقيق الموازنة العامة للسنة المالية 2022-2023 فائضا يفوق قليلاً العشرة مليارات دينار، ومع الهبوط الأخير لأسعار النفط، ربما يبدأ الفائض المقدر بالتناقص، لكنه يظل كبيراً، ومعه بدأت مؤشرات العودة لانفلات السياسة المالية، وبدأت وعود من مستويات حكومية عالية بالمكافآت والبدلات غير المرتبطة بالإنتاجية، وإنما بغرض شراء الولاءات. تلك مجرد إشارة حكومية غير ذكية لبدء حراج مماثل في حقبة انتخابات نيابية وما يلي نتائجها، بينما يفترض أن ما يحدث هو تحويل معظم إيرادات علاوة المخاطر الاستثنائية والمؤقتة على أسعار النفط إلى احتياطي طوارئ يجنب البلد أزمة اختناق السيولة المماثلة لحريقها في صيف 2020، إضافة إلى ضرورة التحوط من الاحتمالات السلبية لأوضاع سوق النفط لأطول من المدى القصير، وهي حتماً قادمة.