العفو عن أصحاب الرأي
لا معنى لحرية الإنسان في التعبير والاعتقاد إذا لم يكن هذا الحق الإنساني محمياً بمبدأ التسامح، ولا يصح أن نرتب أحكاماً لملاحقة أشخاص اختلفوا معنا في رؤيتهم واعتقاداتهم السياسية أو الاجتماعية، ومهما تصورت الأكثرية شذوذ فكر هؤلاء المخالفين وعدم اتساقهم مع مشاعرها، فهذا لا يبرر أبداً أن تتم ملاحقتهم بالشكاوى القانونية، وإذا كانت لدينا قوانين زجر وقمع لمبادئ حرية التعبير والاعتقاد، فهذا لا يعني شرعية دستوريتها، حتى لو كان ذلك الدستور مطاطاً عائماً بنصوصه في مسائل الحريات العامة والخاصة، وترك الأبواب مفتوحة للسُّلطة لتختار وتنتقي ما تشاء لمصادرة هذه الحريات في أي وقت تشاء.في لقاء إعلامي للنائب السابق بدر الداهوم دعا السُّلطة للعفو عن كل المهجرين بسبب قضايا الرأي، ومنهم النائب السابق عبدالحميد دشتي، فهؤلاء الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن لمخالفتهم قوانين الدولة لم يتآمروا على الدولة ولم يشرعوا في أعمال تهدد الدولة أو تعرض نظامها للخطر، هم خالفوا قوانين سارية، لكن ما مدى شرعية تلك القوانين إذا قسناها بالمعايير الدولية لمبادئ حقوق الإنسان؟! لا يمكن بأي حال الاعتداد والاحتجاج بها لإبقاء سجناء الرأي على أوضاعهم.بدر الداهوم ذاته، وهو المحروم من حقوقه السياسية بأحكام قضائية نهائية بسبب قضية رأي سابقة، انتقد مر النقد، وهاجم بشدة النائب السابق عبدالحميد دشتي على مواقفه المؤيدة لسياسات الجمهورية الإيرانية وسورية في عدة مناسبات، لكن هذا الانتقاد لم يمنع بدر الداهوم اليوم من شمل عبدالحميد دشتي في قائمة المطلوب العفو عنهم. هنا يظهر بدر الداهوم في تلك المسألة السياسية وجهاً تقدمياً لحرية التعبير غابت عن الكثيرين من مدعي الليبرالية حين تختصر قضية الحريات في المسألة الاجتماعية ويتم تناسي الحريات السياسية.
طي صفحة الماضي بالعفو عن المحكوم ضدهم بقضايا الرأي أمر مطلوب، فقد شرعت السُّلطة بعد خطاب صاحب السمو الأخير بنهج جديد يبعث بروح التفاؤل، وكم نتمنى أن تكمل طريقها نحو العفو الكامل عن أصحاب الرأي.