إذا لم تكن من «المطبّلين» فأنت «عميل» أو «خائن»
النقد والرأي الآخر عدوا مجتمعاتنا، فالثقافة السائدة تقوم على المديح والإطناب للقائد والمسؤول، وهذه الظاهرة متأصلة في تربيتنا وسلوكنا منذ وَعينا على الدنيا، وعندما تنتقد سلوكيات «مديرك» أو «رئيسك» فاعلم أنك أصبحت في دائرة المغضوب عليهم والقرار بالاستغناء عنك أو طردك أصبح جاهزاً وعلى الطاولة. في مجتمعاتنا إذا مارست النقد وأظهرت السلبيات وعبّرت عن رأيك فأنت إما «عميل» أو «خائن» حتى وإن كان النقد بدافع الحرص على المؤسسة أو الشركة أو الوطن والمجتمع، فالرأي الآخر يصنّف على أنه مشاغبة فكرية، تبقى في حدود صاحبها، تماماً كما النقد حتى لو كان إيجابياً لا بهدف الإثارة، وكم من أصحاب هذه الفئة أهدرت دماؤهم وأخرجوهم عن دينهم وحلّلوا قتلهم.الصديق محمد القديري أرسل لي نصاً عن حادثة وقعت في مسلسل رأفت الهجان الشهير ذات أبعاد اجتماعية خلاصتها أن المطبّلين فئة من المنافقين الباحثين عن الثروة والسلطة والمنصب ولا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية، فيروي كاتب المسلسل صالح مرسي في لقطة لها مغزى ومعنى كبيران، تدور حول المجموعة التي كانت تعمل حول رأفت الهجان في إسرائيل ومنهم ضباط وتجار وسياسيون، فهؤلاء كانوا يدافعون عن تصرفات الحكومة ويرقصون ويغنون ويطبلون لأي عمل تقوم به الحكومة والجيش، إلا واحدة هي سيرينا أهاروني التي قامت بدورها الممثلة تهاني راشد، كانت الوحيدة التي تنتقد تصرفات الحكومة الإسرائيلية، بل أحيانا تدافع عن مواقف العرب وتهاجم أفعال الجيش لدرجة أن رأفت نفسه كان يغضب حتى يجيد حبكة دوره، ولما عرض رأفت الأسماء والصفات على القيادة المصرية آنذاك كي تختار بعضهم للتجنيد لصالح مصر، كان يظن أن أول شخص سيقع عليه الاختيار هو تلك المرأة، لكن العكس هو ما حدث فقد رشحت المخابرات أسماء المطبّلين والمصفّقين كي يتم تجنيدهم، وهنا تعجب رأفت من عدم اختيار سيرينا أهاروني وهي أشد المنتقدين للحكومة الإسرائيلية ومتعاطفة مع العرب! لكن الجواب كان بأن سيرينا أهاروني هي آخر شخص تفكر بتجنيده لأنها أكثرهم وطنية وإخلاصا لوطنها. في هذا المقام يحضرني عنوان مقال للزميل محمد النغيمش وكان بعنوان «المطبّلون من حولك» فعدد كبير من القياديين يقرّبون منهم ثلة من المنافقين والانتهازيين ليسمعوا منهم فقط ما يودون سماعه، في الوقت الذي يبعدون عنهم أصحاب الرأي الحر. الذين يشغلون المناصب والكبار منهم يستسيغون الطبّيلة و«حاضر يا ريس» لأنهم لا يطيقون سماع الرأي الآخر، هم يدّعون لفظياً أنهم متسامحون لكنهم في حقيقتهم مستبدون ودكتاتوريون، فتلميع الأحذية، ومسح الجوخ، أدوات مُربحة للطبّالين والمطبّلات وما أكثرهم، وإن كانت حكايات الطبّالين لا تعد ولا تحصى، واحدة منها أن أحد المنافقين تبرّع لرئيسه بكليته دون أن ينتبه أنه تبرع بالكلية الأولى لرئيس قبله، عاش منافقا ومات منافقاً.
هل من المثقفين والمستشارين والزاحفين على بطونهم نصيب من التطبيل والنفاق؟ أم قد يحتاج الأمر إلى دراسات في علم الاجتماع لمعرفة الآثار الناجمة عن هذا النوع من التكسب على مستوى الأداء بشكل عام، كم من هؤلاء نالوا الرضا والمزايا من أسيادهم، وحققوا ما لم يحلموا به في حياتهم! سنترك الختمة لميخائيل نعيمة الذي قال: لا يليق أن تتوج رأسك بحذائك حتى ولو كان الحذاء من ذهب لا تؤاخذونا فالمطبّلون ملؤوا الساحات والأماكن والمواقع ولم يعد هناك فراغات، وقوافل التطبيل تتوقف، فالمطبّلون يتكاثرون مع الفاسدين والتافهين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هناك تطبيل سياسي وآخر ديني، ويبدو أن الرابط بين الطبل والمطبّل والسياسي قوي لدرجة يصعب تفكيكه أو الفصل بينهما.