هل أصبحت حكومة الوحدة الوطنية مستعدة لحُكم ميانمار؟
بدأ المراقبون يستنتجون مع مرور الوقت أن جيش ميانمار، الذي كان قوياً في السابق، قد يُهزَم على يد القوى التي تعارض الانقلاب العسكري الذي شهده البلد في عام 2021، ويبدو سجل المجلس العسكري في مجال الحُكم مريعاً، وقد بدأ يخسر سيطرته على أجزاء متزايدة من البلد، ونتيجةً لذلك، تدعو صحيفة «إيكونوميست» المرموقة اليوم إلى الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية في ميانمار على اعتبار أنها تستحق مساعدات إضافية، وتقضي خطوة مفيدة أولى بالاعتراف بها دولياً ودعمها مادياً، لكن هل تستطيع حكومة الوحدة الوطنية أن تحكم البلد فعلاً؟تسيطر هذه الحكومة اليوم على مساحات شاسعة من الأراضي، ويُعبّر معظم الشعب عن ولائه لها، وهي تضمن الأمن والعدالة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، حتى أنها تشرف على جهود تنسيقية مركزية فاعلة، وتدير الموارد العامة، وتطبّق سياسة خارجية خاصة بها، وعلى صعيد آخر، تطلق حكومة الوحدة الوطنية عملية شائكة للانتقال إلى ديموقراطية فدرالية تملك فرصة حقيقية لتحقيق النجاح.بدأ مستقبل ميانمار يتّضح إذاً فيما يُصِرّ العالم على مواقفه المترددة، وتعمل حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الاستشاري للوحدة الوطنية على تطوير دستور فدرالي انتقالي، تمهيداً لتحويل ميانمار إلى ديموقراطية ليبرالية لا مركزية ومبنية على فصل السلطات وضمان الحقوق والحريات الأساسية.
لن تكون هذه العملية الانتقالية سلسة بالكامل، إذ يسود شكل من التخبط بين دور حكومة الوحدة الوطنية كـ«حكومة فدرالية» مؤقتة من جهة، ودورها المحدود في حُكم المناطق الفرعية ومستوى أدائها للإشراف على الإدارات المحلية في وسط ميانمار من جهة أخرى، ويُعبّر الحلفاء القوميون العرقيون عن استيائهم من «النزعات المركزية» التي تحملها حكومة الوحدة الوطنية، لكن تُصرّ هذه الأخيرة على ضرورة أن تحكم البلد الآن بأكثر الطرق فاعلية، ويجب أن يُعالَج هذا التوتر داخل التحالف، عن طريق المجلس الاستشاري للوحدة الوطنية، ويمكن تحسين هذه العملية خلال المرحلة المقبلة.في مطلق الأحوال، أصبحت حكومة الوحدة الوطنية مستعدة لحُكم البلد، لكن هل سيتقبّل العالم هذا الواقع؟ تتصرف حكومة الظل هذه كحكومة حقيقية أصلاً وتلتزم بجميع معايير المجتمع الدولي، فتسيطر على أجزاء واسعة من أراضي ميانمار، وتملك شرعية كافية، وتضمن الأمن والخدمات للناس، لكن ما الذي يفسّر جمود العالم في هذا الملف؟ يتعلق عامل مؤثر بالحرب المستمرة في أوكرانيا، لكنه ليس السبب الوحيد. يتأثر الوضع أيضاً بالمواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، مع أن هذا العامل يجب ألا يشكّل عائقاً أمام التحرك. كانت الحكومة التي قادتها «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» صديقة للصين ولم تصبح دمية بيد الغرب يوماً، وأعادت حكومة الوحدة الوطنية التأكيد على السياسة الخارجية المستقلة التي تبنّاها الحزب، وفي غضون ذلك، تحافظ الصين على علاقات حسنة مع «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، لكنها ترفض التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، فقد يتغير هذا الوضع إذا توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق معيّن حول استفادة جميع الأطراف من وحدة ميانمار واستقرارها وعدم تبعيّتها لأحد.تستطيع البلدان التي لم تعترف بعد بشرعية حكومة الوحدة الوطنية أن تقدّم لها دعماً مالياً وعملياً، وقد تطلق الدول مثلاً مبادرات تنموية مشتركة مع حكومة الوحدة الوطنية، أو مع منظمات تابعة لها لتمويل الخدمات، بدءاً من مشاريع عابرة عند الحاجة، وتبدي حكومة الوحدة الوطنية استعدادها لاستلام هذه المشاريع وتملك القدرة اللازمة لتنفيذها، فهي تتكل على تدابير إدارية فاعلة وآليات تحكّم تسمح بتقليص المخاطر الائتمانية إذا تراجعت مرونة الشركاء في مشاريع التنمية، وفي الوقت نفسه، يجب أن تتلقى حكومة الوحدة الوطنية دعوة للمشاركة في جميع الاجتماعات والمشاورات الحكومية والدولية، ويُفترض أن تحصل على دعم كبير على شكل مساعدات مالية أو مبادرات لبناء قدراتها، بما في ذلك تطوير فِرَق عمل احترافية، كذلك، يجب أن يتواصل الوسطاء والمبعوثون الدوليون مع حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الاستشاري للوحدة الوطنية مسبقاً، كي لا يفترض أحد أنهم يعطون الشرعية للمجلس العسكري. بما أن حكومة الوحدة الوطنية بدأت تتصرف وكأنها حكومة ميانمار الفعلية والجهة الوحيدة التي تملك شرعية كافية وتطرح خطة مستدامة لمنع «بلقنة» البلد، بدأ العالم يفتقر إلى الحجج التي تبرر عدم الاعتراف بها.* فيليب أناويت